الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
191 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعن جنبتي الصراط سوران ، فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعند رأس الصراط داع يقول : استقيموا على الصراط ولا تعوجوا ، وفوق ذلك داع يدعو ، كلما هم عبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك ! لا تفتحه ; فإنك إن تفتحه تلجه " . ثم فسره فأخبر : " أن الصراط هو الإسلام ، وأن الأبواب المفتحة محارم الله ، وأن الستور المرخاة حدود الله ، وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن ، وأن الداعي من فوقه واعظ الله في قلب كل مؤمن " . رواه رزين ، ورواه أحمد .

التالي السابق


191 - ( وعن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ضرب الله مثلا ) أي : بين مثلا ( صراطا مستقيما ) : بدل من مثلا على إهدام المبدل ، كما في قولك : زيد رأيت غلامه رجلا صالحا ( وعن جنبتي الصراط ) : بفتح النون كذا في النهاية نقله ميرك أي : عن طرفيه وجانبيه يعني يمينه ويساره ( سوران ) : والجملة حال عن صراطا ( فيهما أبواب مفتحة ) : الجملة صفة سوران أي : جداران فاصلان بين الصراط المستقيم وطرفيه الخارجين عن الصراط القويم ، المشبهين بسور البلد من جنبتيه ، أحد جانبيه من أهله والآخر من العدو وفيه إيماء إلى قوله تعالى : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والله أعلم بالصواب . ( وعلى الأبواب ستور ) : جمع الستر بالكسر ( مرخاة ) أي : مرسلة ، والجملة حال من ضمير الأبواب في " مفتحة " ، ووضع الظاهر موضع الضمير الراجع إلى صاحبها لإفادة التفخيم ( وعند رأس الصراط ) أي : عليه ( داع ) : عطوف على وعن جنبتي الصراط ( يقول ) : أي الداعي ( استقيموا ) : أي استووا ( على الصراط ولا تعوجوا ) : بتشديد الجيم من الاعوجاج ، كذا في نسخة السيد وغيره ، وفي نسخة بتشديد الواو على حذف إحدى التاءين وهو تأكيد لما قبله ، أي : لا تميلوا إلى الأطراف .

[ ص: 273 ] قال الطيبي : عطف على " استقيموا " على الطرد والعكس ، لأن مفهوم كل منهما يقرر منطوق الآخر وبالعكس ( وفوق ذلك ) : عطف على : وعند رأس الصراط ، والمشار إليه بذلك الصراط أو الداعي ( داع يدعو ، كلما هم عبد ) أي : قصد وأراد ( أن يفتح شيئا ) أي : قدرا يسيرا ( من تلك الأبواب ) أي : ستورها .

قال الطيبي : كلما ظرف يستدعي الجواب وهو : قال ا هـ . والضمير في ( قال ) : راجع إلى الداعي ( ويحك ) : زجر له عن تلك الهمة ، وهي كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها كذا قاله الطيبي ، يعني ثم استعمل لمجرد الزجر عما هم به من الفتح ( لا تفتحه ) أي شيئا من تلك الأبواب أي ستورها . وقال الأبهري : هذا يدل على أن تلك الأبواب مردودة ، فمعنى قوله سابقا " أبواب مفتحة " : غير مغلقة ا هـ . وهو خلاف الظاهر ( فإنك إن تفتحه تلجه ) أي : تدخله يعني : لا تقدر أن تملك نفسك وتمسكها عن الدخول بعد الفتح . ( ثم فسره ) أي : أراد تفسيره ( فأخبر : أن الصراط هو الإسلام ) : وهو طريق مستقيم والمطلوب من العبد الاستقامة عليه ( وأن الأبواب المفتحة محارم الله ) : فإنها أبواب للخروج عن كمال الإسلام والاستقامة والدخول في العذاب والملامة ( وأن الستور المرخاة حدود الله ) : قال الطيبي : الحد الفاصل بين العبد ومحارم الله كما قال الله تعالى : ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) ا هـ .

والظاهر والله أعلم أن المراد من الستور الأمور المستورة غير المبينة من الدين المسماة بالشبهة المعبر عنها ب " حول الحمى " في الحديث المشهور . ( وأن الداعي ) : وفي نسخة : والداعي بالرفع ( على رأس الصراط هو القرآن ، وأن الداعي من فوقه ) أي : فوق الصراط أو من فوق الداعي الأول ( هو واعظ الله في قلب كل مؤمن ) . قال الطيبي : هو لمة الملك في قلب المؤمن ، واللمة الأخرى هي لمة الشيطان ا هـ . أي : التي أثرها الهم ، وكان الأظهر أن يقول : والهم لمة الشيطان . ( رواه رزين ) . أي : عن ابن مسعود ( ورواه أحمد ) .




الخدمات العلمية