الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2368 ] 3612 - وعن أبي أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أخالك سرقت ، قال : بلى . فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يعترف فأمر به فقطع وجيء به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : استغفر الله وتب إليه فقال : أستغفر الله وأتوب إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم تب عليه . ثلاثا . رواه النسائي وابن ماجه والدارمي هكذا وجدت في الأصول الأربعة وجامع الأصول .

التالي السابق


3612 - ( وعن أبي أمية ) قيل : لا يعرف له اسم ( المخزومي ) قال المؤلف : صحابي عداده في أهل الحجاز روى عنه أبو المنذر مولى أبي ذر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص ) بضم اللام ويكسر وتشديد الصاد المهملة وفي القاموس مثلث اللام أي جيء بسارق ( قد ) وفي نسخة فقد ( اعترف اعترافا ) أي أقر إقرارا صريحا ( ولم يوجد معه متاع ) أي من المسروق منه ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما إخالك ) بكسر الهمزة وفتحها والكسر هو الأفصح وأصله الفتح قلبت الفتحة بالكسرة على خلاف القياس ولا يفتح همزتها إلا بنو أسد ، فإنهم يجرونها على القياس وهو من خال يخال أي ما أظنك ( سرقت ) قاله درأ للقطع ( قال : بلى ) أي سرقت ( فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا ) شك من الراوي ( كل ذلك ) بالنصب وفي نسخة بالرفع ولا وجه له ، قال الطيبي : كل ذلك ظرف يعترف قدم للاهتمام والمعنى ( يعترف ) في كل من تلك المرات وذكر ذلك باعتبار المذكور والجملة صفة لقوله ثلاثا وثلاثا نصب على المصدر وعامله فأعاد ( فأمر به فقطع وجيء به ) أي السارق قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر الله ) أي اطلب مغفرة الله باللسان ( وتب إليه ) أي ارجع إلى الله بالجنان ( فقال ) أي السارق ( أستغفر الله وأتوب إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم تب عليه ثلاثا ) أي اقبل توبته أو ثبته عليها ، وهذا منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن الحد ليس مطهرا . رواه أبو داود بالكلية مع فساد الطوية وإنما هو مطهر لعين ذلك الذنب فلا عقاب عليه ثانيا من جهة الرب ، وقال الطيبي : الأمر بالاستغفار بعد القطع وتكرير رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستغفار له تأكيدا وتقريرا لتوبته . اه وما فيه لا يخفى قال القاضي : وكذا يستشهد على أن للإمام أن يعرض للسارق بالرجوع وأنه إن رجع بعد الاعتراف قبل لإسقاط الحد كما في الزنا وهو أصح القولين المحكيين عن الشافعي ولمن زعم أن السرقة لا تثبت بإقرار مرة واحدة كأحمد وأبي يوسف وزفر أن يتمسك به أيضا ; لأنه لو ثبت بإقراره الأول لوجب عليه إقامة الحد ويحرم تلقينه بالرجوع لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر : " تعافوا بالحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " . وجوابه أنه عليه الصلاة والسلام إنما لقنه لما رأى أن له مخرجا عنه بالرجوع وقد قال صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله . وإنما يجب حيث لم يكن له مخرج قال الخطابي : وجه قوله عليه الصلاة والسلام ما أخالك سرقت عندي أنه ظن بالمعترف غفلة عن السرقة وأحكامها أو لم يعرف معناها فأحب أن يستبين ذلك منه يقينا وقد نقل تلقين السارق عن جماعة من الصحابة . اه وفيه أنه لم يقع منه إلا إعادة الإقرار ولم يظهر منه استبانة أمر السرقة وأحكامها لا ظنا ولا يقينا ، وقال الطيبي : ويمكن أن يقال : أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ظن ما ظن لما اعترف الرجل ذلك الاعتراف والحال أنه لم يوجد معه متاع ما فإن هذه الأمارة كافية في الظن بالخير من المسلمين اه . وفيه أن ظن الخير بالمسلم لا يتوقف على أمارة مع أن من حسن الظن بالمسلم أيضا أنه لا يكذب خصوصا على نفسه فقوله ولم يوجد معه متاع إما وقع اتفاقا أو احترازا من أنه لو كان معه متاع من المسروق منه لما لقنه لئلا يفوت مال المظلوم ولهذا من أقر بمال عنده أو دين عليه فلا يسن التلقين له كما سبق تحقيقه على أن الحديث لا دلالة فيه على إعادة الاعتراف الأول يحتمل أنه لم يكن عنده صلى الله تعالى عليه وسلم ومع وجود الاحتمال يسقط الاستدلال قال ابن الهمام : ويجب القطع بإقراره مرة واحدة وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ومالك والشافعي وأكثر علماء الأمة وقال أبو يوسف : لا يقطع ، وهو قول أحمد وابن أبي ليلى وزفر وابن شبرمة لهذا الحديث حيث لم يقطعه إلا بعد تكرار إقراره ولما أسند الطحاوي إلى علي رضي الله تعالى عنه أن رجلا أقر عنده بسرقة مرتين فقال : قد شهدت على نفسك شهادتين فأمر به فقطع فعلقها في عنقه ، ولأبي حنيفة ما أسند الطحاوي إلى أبي هريرة في هذا الحديث قالوا : يا رسول الله إن هذا سرق فقال : ما أخاله سرق ، فقال السارق : بلى يا رسول الله قال : اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به قال : فذهب به فقطع ثم حسم ثم أتي به فقال : تب إلى الله عز وجل فقال : تبت إلى الله عز وجل فقال : تاب الله عليك فقد قطعه بإقراره مرة اه . وفيه أنه وقع حينئذ التعارض بين الحديثين ويحتاج إلى التصحيح والترجيح فالأولى حمل الحديث السابق على أن اعترافه الأول كان بحضرة الصحابة ثم الصحابة بناء على اعترافه عندهم قالوا : يا رسول الله إن هذا سرق لا أنهم شهدوا وبهذا يحصل الجمع بين الحديثين ويرفع التناقض بين الدليلين فمآلهما واحد في أنه لا يحتاج إلى الإقرار المتعدد والله أعلم ( رواه ) أي الحديث عن أبي أمية ( أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي هكذا ) أي مثل ما ذكرت من أن الحديث عن أبي أمية لا عن أبي رمثة ( وجدت في الأصول الأربعة ) أي المذكورة من سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والدارمي ( وجامع الأصول ) أي وفي جامع أصول السنة لابن الأثير .




الخدمات العلمية