الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

4766 - عن شريح بن هانئ ، عن أبيه - رضي الله عنه - أنه لما وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن الله هو الحكم ، وإليه الحكم ، فلم تكنى أبا الحكم ؟ " قال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم ، فرضي كلا الفريقين بحكمي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحسن هذا ، فما لك من الولد ؟ " قال : لي شريح ، ومسلم ، وعبد الله . قال : " فمن أكبرهم ؟ " قال : قلت : شريح . قال : " فأنت أبو شريح " . رواه أبو داود ، والنسائي .

التالي السابق


الفصل الثاني

4766 - ( عن شريح ) : بالتصغير ( ابن هانئ ) : بنون مكسورة فهمزة ( عن أبيه ) أي : هانئ بن يزيد ( أنه لما وفد ) أي : جاء ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه سمعهم ) أي : سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ( يكنونه ) : بتشديد النون مع ضم أوله ، وتخفيف مع فتح أوله ( بأبي الحكم ) : الكنية قد تكون بالأوصاف كأبي الفضائل وأبى المعالي وأبي الحكم وأبي الخير ، وقد تكون بالنسبة إلى الأولاد كأبي سلمة ، وأبي شريح ، وإلى ما لا يلابسه كأبي هريرة ، فإنه عليه السلام رآه ومعه هرة فكناه بأبي هريرة ، وقد تكون للعلمية الصرفة كأبي بكر وأبي عمرو ( فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : طلب هانئا ( فقال : إن الله هو الحكم ) : عرف الخبر وأتى بضمير الفصل فدل على الحصر ، وأن هذا الوصف مختص به لا يتجاوز إلى غيره ( وإليه الحكم ) أي : منه يبتدأ الحكم وإليه ينتهي الحكم ، له الحكم وإليه ترجعون ، لا راد لحكمه ، ولا يخلو حكمه عن حكمته . وفي إطلاق أبي الحكم على غيره يوهم الاشتراك في وصفه على الجملة ، وإن لم يطلق عليه سبحانه أبو الحكم لما فيه من إيهام الوالدية والولدية ، وقد غير - صلى الله عليه وسلم - اسم عمرو بن هشام المكنى بأبي الحكم بأبي جهل . وفي شرح السنة : الحكم هو الحاكم الذي إذا حكم لا يرد حكمه ، وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى ، ومن أسمائه الحكم . ( فلم تكنى أبا الحكم ؟ ) أي : فلأي شيء وبأي سبب من أنواع الكنية تكنى بأبي الحكم ؟ ( قال : إن قومي ) : استئناف تعليل ( إذا اختلفوا في شيء ) : وصاروا فرقتين مختلفتين وكاد أن يقتتلا ( أتوني فحكمت بينهم ) أي : بأي نوع من الحكم ( فرضي كلا الفريقين بحكمي ) أي : لمراعاتي الجانبين والعدل بين الخصمين ، وحصول الصلح من الطرفين . ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أحسن هذا ) أي : الذي ذكرته من الحكم بالعدل ، أو من وجه التكنية وهو الأولى ، وأتى بصيغة التعجب مبالغة في حسنه ، لكن لما كان فيه من الإيهام ما سبق في الكلام أراد تحويل كنيته إلى ما يناسبه في المرام ، فقال : إذا كان الأمر كذلك

[ ص: 3004 ] ( فما لك من الولد ؟ ) : وأغرب المظهر في قوله : ما للتعجب ، يعني : الحكم بين الناس حسن ، ولكن هذه الكنية غير حسنة ، وتبعه الطيبي فقال : ولما لم يطابق جواب أبي شريح قال له - صلى الله عليه وسلم - على ألطف وجه وأرشقه ردا عليه ذلك : ما أحسن هذا ، لكن أين ذلك من هذا ؟ فاعدل عنه إلى ما هو يليق بحالك من التكني بالأبناء ، وهو من باب الرجوع والتنبيه على ما هو أولى به وأليق بحاله . ( قال : لي شريح ، ومسلم ، وعبد الله ) : ظاهر الترتيب المقتضي لعقله أنه قدم الأكبر فالأكبر ، لكن الواو لدلالته على مطلق الجمع كان غير صريح في المدعى ( قال : " ومن أكبرهم ) : في شرح السنة : فيه أن الأولى أن يكنى الرجل بأكبر بنيه ، فإن لم يكن له ابن فبأكبر بناته ، وكذلك المرأة بأكبر بنيها ، فإن لم يكن لها ابن فبأكبر بناتها .

( قال ) أي : هانئ ( قلت : شريح ) أي : أكبرهم ( قال : فأنت أبو شريح ) أي : رعاية للأكبر سنا ، فصار ببركته - صلى الله عليه وسلم - أكبر رتبة ، وأكثر فضلا ، فإنه من أجلة أصحاب علي - رضي الله عنه - وكان مفتيا في زمن الصحابة ، ويرد على بعضهم ، وقد ولاه علي رضي الله عنه قاضيا ، وخالفه في قبول شهادة الحسن له والقضية مشهورة . قال بعض علمائنا : وأما التابعي : فإن ظهرت فتواه في زمن الصحابة كشريح كان مثلهم عند البعض ، ولعله عد في فصل الصحابة في أسماء رجال المصنف لهذا المعنى ، أو لكونه من المخضرمين كما قاله ابن عبد البر في الاستيعاب ، والله أعلم بالصواب . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) .




الخدمات العلمية