الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

4832 - عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ترك الكذب وهو باطل بني له في ربض الجنة ، ومن ترك وهو محق بني له في وسط الجنة ، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها " . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن . وكذا في " شرح السنة " . وفي " المصابيح " . قال : غريب .

التالي السابق


الفصل الثاني

4832 - ( عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ترك الكذب ) أي : وقت مرائه كما يدل عليه القرينة الآتية ويحتمل الإطلاق والله أعلم . ( وهو باطل ) جملة معترضة بين الشرط والجزاء للتنفير عن الكذب ، فإن الأصل فيه أنه باطل أو جملة حالية من المفعول أي : والحال أنه باطل لا مصلحة فيه من مرخصات الكذب كما في الحرب ، أو إصلاح ذات البين والمعاريض ، أو حال من الفاعل أي : وهو ذو باطل بمعنى صاحب بطلان . ( بني له ) : بصيغة المجهول وله نائبه أي : بنى الله له قصرا ( في ربض الجنة ) بفتح الراء والموحدة أي : نواحيها وجوانبها من داخلها لا من خارجها ، وأما قول شارح : هو ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي حول المدن وتحت القلاع ، فهو صريح اللغة ، لكنه غير صحيح المعنى ، فإنه خلاف المنقول ، ويؤدي إلى المنزلة بين المنزلتين حسا كما قاله المعتزلة معنى ، فالصواب أن المراد به أدناها كما يدل عليه قوله : ( ومن ترك المراء ) : بكسر الميم أي : الجدال ( وهو محق ) أي : صادق ومتكلم بالحق ( بني له في وسط الجنة ) بفتح السين ويسكن أي : في أوسطها لتركه كسر قلب من يجادله ودفعه رفعة نفسه ، وإظهار نفاسة فضله ، وهذا يشعر بأن معنى صدر الحديث أن من ترك المراء وهو مبطل ، فوضع الكذب موضع المراء ؛ لأنه الغالب فيه ، أو المعنى أن من ترك الكذب ولو لم يترك المراء بني له في ربض الجنة ؛ لأنه حفظ نفسه عن الكذب ، لكن ما صانها عن مطلق المراء ، فلهذا يكون أحط مرتبة منه . ( ومن حسن ) : بتشديد السين أي : أحسن بالرياضة ( خلقه ) : بضمتين ويسكن اللام أي : جميع أخلاقه التي من جملتها المراء وترك الكذب ( بني له في أعلاها ) أي : حسا ومعنى ، وهذا يدل على أن الخلق مكتسب وإن كان أصله غريزيا ، ومنه خبر صحيح : اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي ، وكذا خبر مسلم : اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت . قال الإمام حجة الإسلام : حد [ ص: 3036 ] المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه ، إما لفظا أو معنى ، أو في قصد المتكلم وترك المراء بترك الإنكار والاعتراض ، فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به ، وإن كان باطلا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه . ( رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن ) . وتمامه : لا يعرف إلا من حديث سلمة بن وردان . قال ميرك : نقلا عن التصحيح : وسلمة تكلم فيه ، لكن حسن حديثه الترمذي وللحديث شواهد اهـ . فالحديث حسن لذاته أو لغيره ( وكذا في شرح السنة ) أي : حسن ( وفي المصابيح قال : غريب ) أي : إسنادا لما سبق ، وهو لا ينافي كونه حسنا كما قررناه .




الخدمات العلمية