الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5018 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " . رواه الترمذي ، وأبو داود ، والدارمي .

التالي السابق


5018 - ( وعن أبي سعيد ) أي : الخدري ( أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصاحب ) أي : لا تقصد في المصاحبة ( إلا مؤمنا ) أي : كاملا بل مكملا ، أو المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين ، لأن مصاحبتهم مضرة في الدين ، فالمراد بالمؤمن جنس المؤمنين . ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) أي : مؤمن أو متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله الملك العلام والنهي وإن نسب إلى التقي ، ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام ، فهو من قبيل لا أرينك ههنا ، فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقيا . وفي رواية بزيادة : ولا تأكل إلا طعام تقي ، فإن طعامه غالبا يكون حلالا مؤثرا في تحصيل العبادة ، وقال الخطابي : هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة ، وذلك أنه تعالى قال : " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " ومعلوم أن أسراءهم كانوا كفارا غير مؤمنين ، وإنما حذر من صحبة من ليس يتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ، لأن المطاعم توقع الألفة والمودة في القلوب .

[ ص: 3142 ] قال الطيبي فإن قلت : المؤمن يجوز أن يراد به العام وأن يراد به الخاص الذي يقابله الفاسق ، كقوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا فيكون المعنى لا تصاحب إلا صالحا . قلت : المراد بالفاسق الكافر باتفاق المفسرين ، ويدل عليه ما بعده من قوله تعالى : لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها قال البيضاوي : هذا عبارة عن خلودهم . وفي تفسير السيد معين الدين الصفوي : نزلت في علي - رضي الله عنه - والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان بينهما تنازع ، فقال لعلي : إنك صبي وأنا والله أبسط لسانا ، وأحد سنانا ، وأشجع منك جنانا ، فقال له علي : اسكت ، فإنك فاسق ، هكذا قاله عطاء بن يسار والسدي وغيرهما ، فالفاسق ههنا معناه الخارج عن الإيمان ، الثابت على الكفر ، فلا يشكل بأن الوليد أسلم آخر عمره . قال الطيبي : ( ولا يأكل ) نهي لغير التقي أن يأكل طعامه ، والمراد نهيه عن أن يتعرض لما لا يأكل التقي طعامه من كسب الحرام ، وتعاطي ما ينفر عنه التقي ، فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعا ، ولا تخالل إلا تقيا اهـ . وهو في غاية من البهاء ، غير أنه لا يستقيم به وجه الحصر ، فالصواب ما قدمناه والله أعلم . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ، والدارمي ) : وكذا أحمد وابن حبان والحاكم عنه .




الخدمات العلمية