الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 188 - 189 ] ( ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل ) { ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي }( إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات ) ; لأن الفوائت قد كثرت ( فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت ) نفسها ، كما سقط بينها وبين الوقتية ، وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا لخروج وقت الصلاة السادسة ، وهو المراد بالمذكور في الجامع الصغير وهو قوله : ( وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها ) ; لأنه إذا زاد على يوم وليلة [ ص: 190 ] تصير ستا .

                                                                                                        وعن محمد رحمه الله أنه اعتبر دخول وقت السادسة ، والأول هو الصحيح ; لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار ، وذلك في الأول ، ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة ، قيل : تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت ، وقيل : لا تجوز ، ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون ، ( ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب عند البعض ) وهو الأظهر ، فإنه روي عن محمد رحمه الله فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة فالفوائت جائزة على كل حال ، والوقتيات فاسدة إن قدمها ; لدخول الفوائت في حد القلة ، وإن أخرها فكذلك ، إلا العشاء الأخيرة ; لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها .

                                                                                                        ( ومن صلى العصر وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة ، إلا إذا كان في آخر الوقت ) وهي مسألة الترتيب ( وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، وعند محمد رحمه الله يبطل ) ; لأن التحريمة عقدت للفرض ، فإذا بطلت الفرضية بطلت [ التحريمة أصلا ] ، ولهما أنها عقدت ; لأصل الصلاة بوصف الفريضة ، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل ( ثم العصر يفسد فسادا موقوفا ، حتى لو صلى ست صلوات ، ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعندهما يفسد فسادا باتا لا جواز له بحال ) وقد عرف ذلك في موضعه .

                                                                                                        ( ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر فهي فاسدة عند أبي حنيفة رحمه الله ، خلافا لهما ) وهذا بناء على أن الوتر واجب عنده سنة عندهما ، ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن ، وعلى هذا إذا صلى العشاء ثم توضأ وصلى السنة والوتر ، ثم تبين أنه صلى العشاء بغير طهارة ، فعنده يعيد العشاء والسنة دون الوتر ; لأن الوتر فرض على حدة عنده وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء ، والله أعلم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع والعشرون بعد المائة : روي { أنه عليه السلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق ، فقضاهن مرتبا ، ثم قال : صلوا كما رأيتموني أصلي } ، قلت : [ ص: 190 ] روي من حديث ابن مسعود ، ومن حديث الخدري ، ومن حديث جابر أما حديث ابن مسعود ، فأخرجه الترمذي ، والنسائي عن أبي عبيدة عن أبيه [ ص: 191 ] عبد الله بن مسعود ، قال : قال عبد الله بن مسعود : { إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق ، حتى ذهب من الليل ما شاء الله ، فأمر بلالا ، فأذن ، ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام ، فصلى العصر ، ثم أقام ، فصلى المغرب ، ثم أقام ، فصلى العشاء }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " ، قال الترمذي : حديث ليس بإسناده بأس ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه . انتهى .

                                                                                                        ووهم شيخنا علاء الدين ، مقلدا لغيره ، في نقل كلام الترمذي ، إلا أن أبا عبيدة لم يدرك أباه ، والترمذي لم يقل ذلك في جميع كتابه ، وإنما قال : لم يسمع منه ، ذكره في خمس مواضع من " كتابه " : أولها : في " الطهارة في باب الاستنجاء " وثانيها : في " الصلاة في باب الرجل تفوته الصلوات ، بأيتهن يبدأ ؟ " ، ثم في " باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين " ، ثم في " الزكاة في باب ما جاء في زكاة البقر " ، ثم في " التفسير في سورة الأنفال " .

                                                                                                        ولفظه في الجميع : وأبو عبيدة لم يسمع من عبد الله ، وقد ذكر في " باب الاستنجاء بحجرين " ، وفي " باب زكاة البقر " سنده عمرو بن مرة ، قال : سألت أبا عبيدة ، هل تذكر من عبد الله شيئا ؟ . انتهى .

                                                                                                        وهذا دليل على أنه أدركه على صغر ، وكذلك قال النسائي في " سننه الكبرى في باب صف القدمين " : وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ، انتهى .

                                                                                                        ولم أجد فيما رأيته من كلام العلماء من قال : إنه لم يدرك أباه فقال أبو داود : توفي عبد الله بن مسعود ولولده أبي عبيدة ست سنين ، وقال يحيى القطان : توفي عبد الله بن مسعود ، ولولده عبد الرحمن سبع سنين ، وسئل أحمد عن عبد الرحمن ، فقال : أما الثوري وشريك ، فإنهما يقولان : إنه سمع من أبيه .

                                                                                                        وقال ابن المديني : لقي أباه ، واختلف قول ابن معين ، فقال مرة : إنهما لم يسمعا من أبيهما ، وروي عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن سمع من أبيه ، ومن علي ، وجزم ابن عساكر في " الأطراف " بسماع عبد الرحمن ، دون أبي عبيدة ، وأبو عبيدة ، اسمه : عامر ، والله أعلم .

                                                                                                        ثم وجدت الشيخ محيي الدين في " الخلاصة " قال في هذا الحديث بعينه : إنه منقطع ، فإن أبا عبيدة لم يدرك أباه . انتهى . وقال في " باب إخفاء التشهد " : أبو عبيدة لم يسمع أباه ، ولم يدركه باتفاقهم ، وقيل : ولد بعد موته ، وقال في " باب الوتر " : أبو عبيدة لم يدرك أباه ، وكذلك قال في " باب سجود السهو " ، وكذلك في " باب صلاة الخوف " ، وكذلك في " باب الجنائز " [ ص: 192 ] طريق آخر : أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده والبيهقي في " سننه " عن يحيى بن أبي أنيسة عن زبيد اليامي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود به ، سواء .

                                                                                                        واعلم أن ظاهر الحديث أن العشاء أيضا من الفوائت ، فإنه قال : شغل عن أربع صلوات ، وذكر منها : العشاء ، وليس كذلك ، وإنما صلاها عليه السلام في وقتها ، ولكن لما أخرها عن وقتها المعتاد له سماها الراوي فائتة مجازا ، وسيأتي ما يدل على ذلك ، وقوله في الحديث : { ثم صلوا كما رأيتموني أصلي } ، ليس هو في هذا الحديث ، ولو ذكره المصنف بالواو لكان أجود ، وهو في حديث مالك بن الحويرث أخرجه البخاري في " الأذان " عن أبي قلابة ثنا مالك بن الحويرث ، فذكره ، وفيه : { فصلوا كما رأيتموني أصلي } ، وقد تقدم .

                                                                                                        وأما حديث الخدري ، فرواه النسائي في " سننه " من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ، قال : حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، حين لقينا ذلك ، فأنزل الله تعالى : { وكفى الله المؤمنين القتال } ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بلالا ، ثم صلى الظهر ، كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام ، فصلى العصر ، كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام ، فصلى المغرب ، كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام ، فصلى العشاء ، فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك ، وذلك قبل أن ينزل { فرجالا أو ركبانا }. انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والثلاثين ، من القسم الخامس ، ولم يذكر فيه : العشاء ، إلى آخر الحديث ، وهذا يوضح ما قدمناه من أن العشاء لا تعد من الفوائت إلا مجازا ، ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، وقال فيه : عن ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن به ، فذكره ، وهذا الحديث يرد قول من احتج بحديث ابن مسعود على تأخير الصلوات في حال الخوف ، قال في " الشفاء " : والصحيح أنه كان قبل نزول آية الخوف ، فهي ناسخة . انتهى .

                                                                                                        [ ص: 193 ] وأما حديث جابر ، فأخرجه البزار في " مسنده عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن مجاهد عن جابر بن عبد الله { أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، حتى ذهبت ساعة من الليل ، فأمر بلالا ، فأذن ، وأقام ، فصلى الظهر ، ثم أمره فأذن ، وأقام فصلى العصر ثم أمره ، فأذن وأقام ، فصلى المغرب ، ثم أمره فأذن ، وأقام فصلى العشاء ، ثم قال : ما على ظهر الأرض قوم يذكرون الله في هذه الساعة غيركم }. انتهى . وعبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف ، وفي الباب حديث عمر بن الخطاب المتقدم أول الباب ، أخرجاه في " الصحيحين " حديث بطحان .

                                                                                                        { حديث آخر } : ذكر ابن الجوزي في " العلل " بإسناده عن إبراهيم الحربي ، قال : سئل أحمد بن حنبل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن عليه صلاة ، فقال : لا أعرف هذا ، ولا سمعته عن النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى . ونقله الشيخ في " الإمام " هكذا ، قال : ما عرفنا له أصلا . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية