الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المدرك الرابع : مقتضى اللفظة لغة ، في ( الجواهر ) : المشهور ترتيب هذه المدارك في الاعتبار على ما تقدم . إن فقدت النية فالبساط ، فإن فقد فالعرف ، فإن فقد فاللغة ، وقال ( ش ) ، و ( ح ) ، وقال أبو الطاهر : إن فقدت النية والبساط ، فهل يحمل اللفظ على اللغة ، أو العرف ، أو مقتضاه شرعا إن وجد ؟ ثلاثة أقوال . قال أبو الوليد : هذا في المظنون أما المعلوم كقوله : والله لأرينه النجوم بالنهار ، ونحوه ، فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة . قال اللخمي : إذا [ ص: 30 ] اجتمع البساط والعادة واللغة قيل : يحمل على اللغة دون البساط والعادة ، وقيل : على البساط دون العادة ، وقيل : عليهما .

                                                                                                                تفريع على هذا المدرك : في ( الكتاب ) : الحالف لا يلبس ثياب فلان ، ولا يسكن داره ، ولا يأكل طعامه ، فاشترى ذلك منه ، وفعل ما حلف عليه لا يحنث إلا أن يكره تلك الأشياء لمعان فيها ، وإن انتقلت إليه بالهبة دون الصدقة ، ففعل فيها ذلك حنث إن كان الحلف لدفع المنة ، ولو أطعم المحلوف ولد الحالف خبزا ، فأكل منه الأب غير عالم حنث ، وفي ( النكت ) قال بعض القرويين : إن كان الأب موسرا له رد ما وهب للصبي حنث ، وإلا فلا ، وهو معنى قول مالك . والعبد والولد سواء إلا أن يكون على العبد دين ، فليس له رد ما وهب له . قال التونسي : ولم يفرق مالك ، ولعله أراد أن ذلك يسير ، للأب رده ، أما ما له بال لا يقدر على رده ، فلا ينبغي الحنث ، وإن حلف لا ينتفع بشيء من مال فلان ، فأطعم فلان ولد الحالف ، فإن كان يسيرا لا يدفع عنه مؤنة ابنه لم يحنث ، وإلا حنث . قال ابن يونس : قال سحنون : يحنث بالولد دون الأب ، ولم يفصل . قال مالك : والحالف بالطلاق لا يأكل طعام فلان ، فاشتريا طعاما ، فأكلاه يحلف ما أراد إلا طعاما خالصا ، ولا شيء عليه . قال أصبغ : لا يحنث إذا أكل مثل طعامه فأقل ، وفي ( الكتاب ) : الحالف لزوجته لا تخرج إلا بإذنه ، فأذن لها في سفر ، أو حيث لا تسمعه ، وأشهد ، فخرجت بعد إذنه ، وقيل : علمها بإذنه ، فإنه حانث ؛ خلافا لـ ( ش ) لأنها خرجت بداعيتها لا بإذنه ، والحالف لا يأذن لها إلا في عيادة مريض ، فخرجت بإذنه ، ثم مضت إلى حاجة أخرى لم يحنث ; لأن ذلك بغير إذنه إلا أن يتركها بعد علمه ، وقال ( ش ) : إذا قال لها : إن خرجت بغير إذني فأنت طالق ، فخرجت مرة [ ص: 31 ] بإذنه انحلت اليمين ، فإن خرجت بعد ذلك بغير إذنه لم يحنث خلافا لـ ( ش ) ، ولـ ( ح ) .

                                                                                                                لنا : أن اليمين لا تحل إلا بالحنث ، ولم يحنث .

                                                                                                                قاعدة : الاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي لغة ، ومقتضى ذلك أن الحالف حلف على أمرين : الإثبات والنفي ، فيكون معنى قوله : لا آذن لك إلا في عيادة مريض ، والله لا تخرجين للمريض إلا بإذني ، والله لا آذن لك في غيرها ، فإن خرجت لمريض بغير إذنه حنث ، وكذلك إذا قال : والله لا لبست ثوبا إلا الكتان . ينبغي أن يحنث إذا لم يلبس الكتان وقعد عريانا ، وبه قال الشافعية خلافا لنا . قال صاحب ( القبس ) في كتاب الصلاة منه : حلف شخص بالبيت المقدس لا لعبت معك شطرنجا إلا هذا الدست ، فجاء رجل ، فخبط عليهم ذلك الدست .

                                                                                                                قال : اختلفت فتاوى الفقهاء فيه حينئذ ، فأفتى بعض الشافعية بعدم حنثه ، وأفتى غيرهم بحنثه ، واجتمعت بعد ذلك بالطرطوشي ، فأفتى بعدم الحنث ، حجتنا من وجوه : الأول : إن هذا استثناء إثبات من الحلف لا من المحلوف عليه ، فيكون الكتان غير محلوف عليه ، فلا يحنث ، ويؤكده أن قبل النطق بإلا كان حكم اليمين متقررا ، فقد تقدم قبلها أمران : حكم اليمين ، وكونه محلوفا عليه ، فليس صرف الاستثناء إلى عدم اللبس بأولى من صرفه إلى الحلف ، بل الحلف أولى ; لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة . الثاني : سلمنا أنه استثناء من نفي ، وهو عدم اللبس ، فيكون مخبرا عن اللبس ، فيما بعد ( إلا ) لكن لا يلزم أن يكون محلوفا عليه ; لأن الأصل عدم تعلق اليمين بأكثر من واحد . الثالث : قدمنا أنه يقتضي في اللغة أن ما بعد ( إلا ) محلوف عليه لكن إذا لم تكن ( إلا ) بمعنى ( غير وسوى ) فإنها تستعمل بمعناها لقوله تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ( الأنبياء : 22 ) أي غير الله ، وعلى هذا التقدير يكون المحلوف عليه هو اللبس الموصوف بكونه مغايرا للكتان ، والكتان ليس داخلا فيه . الرابع : سلمنا أنها ليست للصفة لكن العرف [ ص: 32 ] اقتضى أن ما بعدها ليس محلوفا عليه ، فإنه لا يفهم عرفا إلا ذلك ، والعرف مقدم على اللغة .

                                                                                                                تفريع : قال اللخمي : قال محمد : الحالف : لا خرجت بإذني ، ثم قال : اخرجي حيث شئت ، فخرجت لم يحنث ، وإن قال : لا خرجت لموضع إلا بإذني ، ثم قال : اخرجي حيث شئت ، فخرجت حنث ، وقيل : هو كالأول ، وإن أذن لها ولم تخرج حتى منعها حنث . قال مالك : وإن خرجت ، ثم رجعت لحاجتها ، ثم خرجت لم يحنث ، وإن رجعت رفضا لخروجها حنث ، وقال ابن القاسم : هو حانث ، ولم يفرق . قال ابن حبيب : إن لم تبلغ الموضع الذي خرجت إليه لم يحنث ، وإلا حنث ، وإن حلف لا خرجت إلا بإذني ، فرآها تخرج ، ولم يمنعها حنث ، وإن حلف لا أذنت لك ، فرآها ، ولم يمنعها ، فإن أراد منعها من الخروج حنث ، وإن حلف لا خرجت إلا لعيادة مريض بإذنه ، فخرجت لغير مريض ، أو لمريض بغير إذنه حنث . قال ابن القاسم : القائل أنت طالق إن خرجت إلى أهلك ، فخرجت ، ولم تبلغ أهلها حتى ردها حنث ; لأنها قد خرجت لهذا الغرض .

                                                                                                                تفاريع اثنا عشر

                                                                                                                الأول : في ( الكتاب ) : الحالف لا يلبس هذا الثوب ، فيقطعه قباء أو قميصا أو غيره ، يحنث بلبسه إلا أن يكرهه لضيقه ، وإن اتزر به ، أو لف به رأسه ، أو جعله على منكبه حنث ، ولو جعله في الليل على فرجه ، ولم يعلم لم يحنث ; لأن هذا ليس لبسا . قال ابن يونس : من سما أشهب : إن حلف أن لا يضطجع على فراش ففتقه والتحف والتف به حنث ، إلا أن يكرهه لحشوه .

                                                                                                                الثاني : في ( الكتاب ) : الحالف لا يركب دابة فلان ، فركب دابة عبده يحنث إذ لو اشترى العبد من يعتق على سيده عتق ، وقال أشهب : لا يحنث .

                                                                                                                [ ص: 33 ] الثالث : في ( الكتاب ) أن الحالف لا ثوب له ، وله ثوب مرهون فحنث ، كان فيه فضل أم لا ، وإن حلف ليعلمنه أو ليخبرنه بكذا فعلماه جميعا لم يبر حتى يعلمه أو يخبره ، وإن كتب إليه أو أرسل به إليه بر ، ولو أحلفه ليكتمن سره ، ثم أسره المسر لآخر ، ثم ذكره الآخر للحالف ، فقال له : ما حسبت أنه أسره إلى غيري حنث ، والحالف لا يتكفل بالمال يحنث بالكفالة بالنفس ; لأنها كفالة بالمال إلا أن يشترط عدم المال لا يحنث ، والحالف لا يتكفل لفلان ، فتكفل لوكيله ، ولم يعلم أنه وكيله لم يحنث ، والحالف ليضربن عبده مائة سوط ، فيجمعها ، ويضربه بها ضربة واحدة لم يبر ، وقاله ابن حنبل خلافا لـ ( ش ) ، و ( ح ) ; لأنه ضرب بمائة سوط ، ولم يضربه مائة سوط ، وكذلك لو ضربه بسوط له رأسان خمسين ، أو ضربه ضربا غير مؤلم ; لأن العرف يفرق بين الضرب والمس بالإيلام .

                                                                                                                الرابع : في ( الكتاب ) : الحالف : ليقضينه حقه إلى أجل ، فقضاه فوجد فيه نقصا بينا ، أو دانقا لا يجوز ، واستحق من يده ، فطالبه بعد الأجل حنث ، والحالف لا يفارقه إلا بحقه ، فأحاله ثم وجد فيه ما ذكرناه بعد المفارقة يحنث ، ولو أعطاه عرضا يساويه بر ، ثم استثقله مالك ، وبالأول قال ابن القاسم ، والحالف : لا يفارقه إلا بحقه ، ففر منه أو أفلت حنث إلا أن يكون معنى قوله : لا أتركه إلا أن يفر ، أو أغلب عليه .

                                                                                                                الخامس : في ( الجواهر ) : الحالف : لا يفارق غريمه إلا بحقه لا يبر بالكفيل والرهن والحوالة ، والحالف لا يفارقه إلا بنفقة يبر بالثلاثة ، والحالف : لا يفارقه وبينه وبينه معاملة يبر بالحوالة دون الكفيل والرهن .

                                                                                                                السادس : قال ابن يونس : الحالف : ليبيعن عبده إلى أجل ، فباعه قبل الأجل ، فرد بعيب ، ففي تحنيثه أقوال : ثالثها : التفرقة بين علمه بالعيب ، فيحنث ، أو عدم علمه ، فلا يحنث ، وقال عبد الملك : الحالف : لا ينفعه ما عاش ، فمات ، فكفنه حنث ; لأن الكفن من توابع الحياة ، وكذلك لو حلف لا يدخل عليه ما عاش [ ص: 34 ] خلافا لسحنون ، ولو حلف : لا ينفعه ، فنفعه بنهي عن شتمه لا يحنث ; لأنه دفع ضرر لا تحصيل نفع ، بخلاف ما لو خلصه من يد خصمه . قال محمد : ولو أوصى له بوصية ، ثم رجع عنها حنث .

                                                                                                                السابع : في ( الكتاب ) : الحالف لامرأته : لا قبلتك ، أو ضاجعتك ، فقبلته من ورائه ، أو ضاجعته نائما لا يحنث إلا أن يسترخي للقبلة ، والحالف : لا قبلتني ، أو ضاجعتني يحنث مطلقا .

                                                                                                                الثامن : في الحالف ليقضينه رأس الشهر ، أو عند رأس الشهر ، أو إذا استهل ، فله يوم وليلة أول الشهر ، وإن قال : إلى رمضان ، أو إلى استهلاله حنث بمجرد الاستهلال ، ولم يبر بهبة الحق ، أو إسقاطه صدقة أو صلة ; لأنه ليس نقصا ، وإن مات رب الحق قبل الأجل دفعه لورثته ، أو وصية ، أو رق للسلطان قبل الأجل ، والحالف : لا يهبه يحنث بالصدقة ، والعارية ، ونحوهما إلا أن تكون له نية . قال ابن يونس : قال التونسي : حنثه بالاستهلال ، ولم ير ذلك في المساكنة ، وكان يجب أن يكون القضاء موسعا ما دام يسمى هلالا ، وهو ليلتان ، وقيل في قوله : لأقضينك في آخر الشهر أنه في عشر أيام منه ، والحالف ليقضينه بكرة أو غدوة ، ففيما بينه وبين نصف النهار ، وقيل في بكرة : يعجل قبل ذلك . قال ابن القاسم : وإذا لم يقل إلى شعبان ، بل ذكر اللام ، أو عند ، أو لدى ، فله ليلة يهل الهلال ، أو يومه ، وإن قال : إلى انسلاخه ، فبالغروب ، أو عند انسلاخه ، أو في انسلاخه ، وإذا انسلخ فليلة ويوم ، وفي انقضائه ، أو في آخره هو كانسلاخه ، وروي عن مالك أن الانسلاخ ، والاستهلال ، أو رؤيته كل ذلك يوم وليلة . قال ابن القاسم : ولأقضينك في رمضان لا يحنث إلا بغروب الشمس من آخره . قال أشهب : فإن قال : نصفه ، فأربعة عشر يوما لاحتمال نقصه ، فإن قضى يوم خمسة عشر حنث ، وقيل : لا شيء عليه ; لأنه النصف المعتاد ، وقاله أشهب [ ص: 35 ] أيضا . قال صاحب ( البيان ) : قال ابن القاسم : الحالف ليقضينه في انسلاخ الهلال ، أو إلى استهلال الهلال ، أو إلى رؤية الهلال ، أو إلى رمضان ، أو في آخره ، أو في انقضائه ، أو إلى دخول الهلال ، أو عند آخر الهلال ، أو إلى ذهاب الهلال ، أو إلى رأس الهلال ، أو في رمضان ، وهو فيه ، أو إلى حلول رمضان - حنث في جميع ذلك إذا غربت الشمس ، ولو قال : حين محله ، أو مجيئه ، أو لمجيئه ، أو إلى مجيئه ، فكذلك ، ولو قال : حين ينقضي ، أو حين يستهل ، أو حين يذهب ، أو إذا استهل ، أو عند رؤية الهلال ، أو إذا رئي الهلال ، أو في رؤية الهلال ، أو عند قضاء رمضان ، أو إذا دخل رمضان - فله يوم وليلة . فهي نحو خمسين صيغة تختلف بحسب اللغة ، يحنث فيها بغروب الشمس سواء سمى معها آخر شعبان ، أو أول رمضان ، وإذا لم يذكر ( إلى ) فما اقتضى الفعل قبل تمام شعبان ، فكذلك ، أو بعد تمامه ، فله يوم وليلة من أول رمضان ، ومنها ما هو بين ، ومنها ما هو مشكل نحو قولك : لحلول رمضان ، فحنث بغروب الشمس بخلاف : لمجيئه ولرؤيته ، له يوم وليلة . قال : وما بينهما فرق ، ونحو قوله : عند آخر الهلال ، يحنث بغروب الشمس ، وعند انسلاخ الهلال ، له يوم وليلة ، وجعل ابن كنانة فيما جعل فيه ابن القاسم يوما وليلة من الغروب إلى الضحى حتى تقوم الأسواق ، ويشهد الناس على حقوقهم . قال ابن القاسم : الحالف ضحى لا يكلمه يوما يكف عن كلامه إلى مثل ذلك الوقت ، ولو قال أياما . أمسك ذلك العدد إلى ذلك الحين ، وقيل : يكفي بقية ذلك اليوم ، والحالف بالنهار لا يكلمه ليلا ، أو بالليل لا يكلمه نهارا لم يكن عليه الإمساك بقية يومه ، أو ليلته ، ولسحنون في الحالف : لا يكلمه ليلة يكمل على بقية ليلته ، وأوله بهذه الليلة ، ويلزمه ذلك في اليوم ، وقال فيه : لا بد من النهار والليلة جنوحا إلى القول بأن الليل من الطلوع إلى الطلوع ، ومن الغروب إلى الغروب ، وهو مخالف لقوله تعالى : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام ) ( الحاقة : 7 ) بل متى حلف : لا يكلمه ليلا اجتنب الليل أبدا ، أو نهارا اجتنب النهار أبدا إلا أن [ ص: 36 ] ينوي التخصيص ، وإذا حلف ليفعلن قبل البيات : قال ابن القاسم : هو إلى ثلث الليل الأول ; لأنه المقصود عادة ، وقال أصبغ : إلى غروب الشمس نظرا إلى اللغة ، وإن حلف نهارا ، فإلى هدو الناس ، وإن حلف عشاء . قال : والصواب إلى نصف الليل ; لأن الرجل لا يكون بائتا في المكان إلا إذا أقام أكثر من نصف الليل ، ولذلك يسأل أين تبيت إذا لقي قبل نصف الليل ، ويقال له بعد : أين بت ؟ .

                                                                                                                التاسع : في ( البيان ) الحالف : لا يشتري أكثر من عشرة ، فاشترى هو وشركاؤه ثلاثين . قال ابن القاسم : لا يحنث إذا قاسمهم فحصل له عشرة فأقل ، وإلا حنث ، والحالف لا يأكل ديكا لا يحنث بالدجاج ، وبالعكس يحنث ; لأن الديك أخص من الدجاج ، أو لا يركب فرسا حنث بالبرذون بخلاف العكس ، والحالف لا يأخذ منه درهما ، فأخذ ثوبا فيه دراهم لا يعلم بها حنث عند ابن القاسم لوجود الأخذ خلافا لأصبغ ، ويأتي فيه قول ثالث من السرقة : إن كان شأنه وضع الدراهم فيه حنث ، وإلا فلا ، والحالف لا يدخل بيت فلان أبدا ، فمات ، فلا يدخله حتى يدفن لبقاء صدق الإضافة ، والحالف ليقضينه في الربيع ، أو في الصيف ، أو الخريف ، أو الشتاء . قال ابن القاسم : الربيع قبل نزول الشمس الحمل بنصف شهر ، وتكمل له ثلاثة أشهر ، ثم يبتدئ الصيف ، ثم بقية الفصول كذلك ، وقال ابن حبيب : الربيع قبل نزول الشمس الحمل بشهر ، ثم تترتب الفصول على ذلك لكل فصل ثلاثة أشهر شمسية . قال : وهو أعدل من القول الأول ; لأن الربيع يرجع إلى اعتدال الهواء ، وآخر كل فصل شبيه بما يليه في الحر والبرد . قال ابن القاسم : وإن حلف إلى الحصاد لا يحنث بآخره ; لأن الغاية تدخل في المغيا . والحالف لا يدخل حتى يأكل زيد ، أو لا يبيع حتى يبيع ، ففعلا ذلك معا حنث ; لأن الغاية شأنها التأخير . قال أبو الطاهر : الحالف ليفعلن في العيد ، أو إلى العيد قيل : تدخل ليلة العيد ; لأن الليل سابق النهار ، وقيل : له [ ص: 37 ] صلاة العيد ، والانصراف منه ، وفي انتهاء العيد ثلاثة أقوال : بانقضاء يومه ، بانقضاء ثلاثة أيام ، التفرقة بين الأضحى - فله ثلاثة أيام - وبين الفطر ، فينقضي بانقضاء يومه .

                                                                                                                العاشر : قال صاحب ( البيان ) : إذا حلف عبد ليقضين غريمه إلى أجل ، فقضاه قبله من عين سيده أو سرقة من ماله إن علم السيد قبل الأجل ، فأنكر لم يبر بهذا القضاء ، وإلا بر ، وإن لم يعلم إلا بعد الأجل ، فثلاثة أقوال : الحنث لابن القاسم ، أجاز السيد أم لا ، وهو ظاهر ( الكتاب ) فيما إذا استحق ما قضى ; لأنه وإن أجاز فهو بعد الأجل ، وعكسه لأشهب لحصول القضاء في الأجل ، والتفرقة لابن كنانة بين إجازة السيد ، فيبر ، وإلا فلا ، وهذا إنما هو إذا قامت بينة على عين النقد أما إذا لم تقم بينة ، أو قامت ، وقلنا : النقدان لا يتعينان بر العبد ، ورجع السيد على عبده أو غريمه .

                                                                                                                الحادي عشر : قال ابن يونس : قال ابن القاسم : الحالف : لأقضينك غدا يوم الجمعة ، أو يوم الجمعة غدا ، أو ذلك ظنه ، وظهر يوم الخميس إن لم يقض فيه حنث ; لأنه التزم المشار إليه ، وإن قال : عند صلاة الظهر ، فإلى آخر القامة ، فإن قال : قبل أن أصلي ، فإلى انصراف الناس من الجامع ، وإن لم يصل هو ، فإن لم يكن لهم مسجد جماعة ، فإلى آخر الوقت . قال ابن حبيب : إذا وهب له الحق قبل الأجل ، أو تصدق به عليه ، فقبله حنث ، ولا ينفعه القضاء قبل الأجل ، فإن لم يقبله وقضاه بر ، ولا قيام له بالهبة ، أو الصدقة إلا أن لا يظهر منه رد ، ولا قبول ، وإن ورثه الحالف لا يحنث ; لأنه مكروه ، واستحسن في ( العتبية ) أن يقضيه الإمام ، ثم يرده عليه . قال محمد : ولو حلف ليقضينه حقه ، أو ليرهننه ، فقضاه النصف ، ورهن النصف بر ، ولو حلف ليقضينه ، أو يرهننه داره ، فقضاه النصف ورهن نصف داره حنث ; لأنه أولا حلف على مسمى القضاء ، أو الرهن من غير تقييد ، وقد [ ص: 38 ] فعل ، وثانيا التزم الرهن في جملة الدار بدلا عن القضاء ، ولم يقض جملة الحق ، ولا فعل بدله ، وإذا غاب الطالب ، واحتجب عنه السلطان ، أو خشي من طلبه فوات الأجل ، أو كان بقرية ليس فيها سلطان - دفعه إلى عدول وأشهد على ذلك ، قاله في ( الكتاب ) خلافا لسحنون ، وقاله مالك أيضا إن لم يجد سلطانا مأمونا ، ودفع إلى ثقة من أهل الطالب ، أو وكيل ضيعته ، أو إلى أخيه بر ، ولكنه يضمنه إلى وصوله إلى ربه ، وقيل : إن دفع لبعض الناس من غير عذر بر . قال مالك : وإن دفعها إلى الإمام يأكلها عالما بذلك ضمن ، وإن لم يعلم فلا ، ولا يحلف ، قال ابن حبيب : فإن غاب الحالف ، وأراد بعض أهله تخليصه من الحنث بالدفع من ماله ، أو من مال نفسه لم يبر إلا أن يوصي بذلك قبل الأجل . قال ابن القاسم : وكذلك وكيله على البيع والشراء لا يبرأ بدفعه إليه إلا أن يأذن له . قال ابن حبيب : وإن جن الحالف قبل الأجل قضى عنه الإمام وبر ; لأنه وكيل المحجور عليهم ، فإن لم يفعل حتى مضى الأجل لم يحنث قياسا على عدم انعقاد يمينه ، وحنثه أصبغ نظرا إلى انعقاد السبب حالة التكليف ، وهو اليمين . قال ابن القاسم : فلو كان الحق عبدا ، فاستحق ، أو ظهر البيع حراما أو رد بالعيب لا يبر حتى يوفيه ، ثم يرده إليه ، والحالف : لا يضع . فينظر ، حنثه مالك ; لأن النظرة إسقاط في المعنى ، وقيل : لا يحنث لاستيفاء جملة حقه . قال : وفي ( الكتاب ) : لأقضين لك حقك يوم كذا إلا أن تشاء ، فمات الطالب صح تأخير الوارث الكبير ، ووصي الصغير إن كان لا دين عليه ; لأنه حق ينتقل للوارث ، وقال ابن القاسم : يجزئه تأخير الغرماء إن أحاط الدين بماله ، ولو مات الحالف قبل الأجل لم يحنث ، وليس على الورثة يمين ، ولا حنث ، والحالف : لا يفعل كذا إلا بإذن زيد ، فمات زيد لم يجزه إذن ورثته ; لأنه ليس حقا للميت حتى ينتقل إلى الورثة ، ولو علق على إذن الأمير ، فمات الأمير ، أو عزل ناب إذن الذي يلي بعده ، ولا يفعل إلا بإذنه إن كان تحليف الوالي له نظرا وعدلا .

                                                                                                                [ ص: 39 ] الثاني عشر : قال صاحب ( البيان ) : الحالف ليقضينه صدرا من حقه . قال مالك : الصدر : الثلثان . قال : ولو قيل النصف ، لكان وجها ، وقال ابن نافع : الثلث . والحالف : لا يبيع عبدا ، رهنه فباعه عليه السلطان ، يجري على الخلاف في حنث الحالف لأفعل فعلا ، فقضى عليه السلطان به ، وإذا قلنا بحنثه لم ترجع اليمين عليه إلا على القول بأن المالك الثاني عبد ثان .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية