الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لامرأته اختاري أو أمرك بيدك فطلقت نفسها فقال ما أردت طلاقا لم يكن طلاقا إلا بأن يريده ولو أراد طلاقا فقالت قد اخترت نفسي سئلت فإن أرادت طلاقا فهو طلاق وإن لم ترده فليس بطلاق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي :

                                                                                                                                            اعلم أن للزوج في الطلاق ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتولاه لنفسه مباشرا فيقع الطلاق بمباشرته .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يستنيب فيه وكيلا ، فيقوم الوكيل في الطلاق الذي استنابه فيه مقام نفسه على ما سنذكره .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يفوضه إلى زوجته وهي مسألتنا فيكون ذلك تمليكا لها ولا يكون توكيلا واستنابة ، وهو جائز يصح به وقوع الفرقة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه ، فاخترنه فلولا أن لتخييرهن تأثيرا في الفرقة إن اخترنها ، ما كان لتخييرهن معنى ، وإذا كان كذلك لم يخل حال تفويضه الطلاق إلى زوجته من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون بصريح منهما . والثاني : بكناية منهما ، والثالث : بصريح منه وكناية منها ، والرابع : بكناية منه وصريح منها .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يكون بصريح منهما جميعا فصورته : أن يقول لها طلقي نفسك فتقول : قد طلقت نفسي ، فقد وقع الطلاق بطلاقها لنفسها ، ولا يراعى من أصل الطلاق ووقوعه نية واحد منهما ، فأما عدد الطلاق فلهما فيه ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يذكراه .

                                                                                                                                            والثانية : أن ينوياه .

                                                                                                                                            والثالثة : أن يطلقاه ، فإن ذكراه فلهما فيه حالتان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتفقا عليه .

                                                                                                                                            والثانية : أن يختلفا فيه ، فإن اتفقا عليه وقع العدد الذي اتفقا عليه كأنه قال لها : طلقي نفسك واحدة ، فطلقت نفسها واحدة ، أو قال لها : طلقي نفسك طلقتين ، فطلقت نفسها طلقتين ، أو قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فقالت : قد طلقت نفسي ثلاثا وقع الثلاث أو ما اتفقا عليه من العدد ، وإن اختلفا فيه وقع أقل العددين . [ ص: 173 ] مثاله : أن يقول لها : طلقي نفسك ثلاثا فتطلق نفسها واحدة فلا تطلق إلا واحدة ، ولو قال لها : طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم تطلق إلا واحدة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لم تطلق .

                                                                                                                                            وقال مالك مثل هذا وأما إن نويا العدد ولم يذكراه حملا فيه على نيتهما ، فإن اتفقا في نية العدد فنويا طلقتين أو ثلاثا كان على ما نويا من العدد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا تأثير للنية في العدد ، وقد مضى الكلام معه ، فإن اختلفا في النية كان العدد محمولا على أقل الثنتين كما لو أظهراه قولا ، فإن نوى الزوج ثلاثا ونوت الزوجة واحدة كانت واحدة وإن لم يذكرا عددا ولا نوياه طلقت واحدة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية