الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني : " وقال في الإملاء على مسائل مالك : وإن ملك أمرها غيرها فهذه وكالة متى أوقع الطلاق وقع ومتى شاء الزوج رجع " . [ ص: 178 ] قال الماوردي : وهذا كما قال والوكالة في الطلاق جائزة ، لأن فاطمة بنت قيس طلقها وكيل زوجها ، بمشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمضاه ، ولأنه لما جازت الوكالة في النكاح مع تغليظ حكمه كان جوازها في الطلاق أولى ، فإذا وكل رجلا عاقلا جاز ، سواء كان حرا أو عبدا ، مسلما أو كافرا ، ولا يجوز أن يوكل مجنونا ولا صغيرا ، لأنه لا حكم لقولهما ، وفي جواز توكيله لامرأة وجهان مضيا في الخلع ، ثم الوكالة على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون مطلقة وهو أن يقول : قد وكلتك في طلاق زوجتي فلانة ، فله أن يطلقها على الفور والتراخي بخلاف ما لو ملكها الطلاق لنفسها ، لأن هذه نيابة وذاك تمليك ، فإن ذكر له من الطلاق عددا لم يتجاوزه ، فلو قال له : طلقها ثلاثا فقال لها : أنت طالق ثلاثا ، طلقت ثلاثا ، ولو قال لها : أنت طالق ونوى أن يكون ثلاثا فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تطلق ثلاثا ، لأن نية الثلاث تقوم مقام التلفظ بالثلاث .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا تطلق ثلاثا ولا تقوم نيته مقام نية الزوج ، لأن الزوج مدين في الطلاق معمول على نيته فيه ، والوكيل غير مدين في الطلاق فلم يعمل على نيته فيه ، وهكذا لو طلقها الوكيل بالكناية مع النية ، كان على هذين الوجهين ، فلو وكله أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة ، ففي وقوعها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يقع ، لأنه بعض ما وكل فيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يقع لأنه وكل في طلاق بائن ، وهذا الطلاق غير بائن فصار غير ما وكل فيه ، فلو وكله أن يطلقها واحدة ، لم تقع الثلاث ، وفي وقوع الواحدة وجهان :

                                                                                                                                            لو وكله في طلاق واحدة من نسائه ولم يعينها له ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن أيتهن طلقها صح ، لأن وقوع الطلاق المبهم جائز ، فكان التوكيل فيه جائزا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يجوز أن يطلق واحدة قبل أن يعينها الزوج ، فإن طلق واحدة منهن قبل تعيينها لم تطلق ، لأن إبهام الطلاق من جهة الزوج يجوز ، لأنه موقوف على خياره في التعيين ، ومن جهة الوكيل لا يجوز لأنه غير موقوف على خياره في التعيين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية