الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث في التفويض : يجوز أن يفوض إلى زوجته طلاق نفسها ، فإذا فوض فقال : طلقي نفسك إن شئت ، فهل هو تمليك للطلاق ، أم توكيل به ؟ قولان . أظهرهما : تمليك وهو الجديد ، فعلى هذا ، تطليقها يتضمن القبول ، ولا يجوز لها تأخيره ، فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت ، لم يقع . وقال ابن القاص وغيره : لا يضر التأخير ما داما في المجلس ، وقال ابن المنذر : لها أن تطلق متى شاءت ، ولا يختص بالمجلس ، والصحيح الأول ، وبه قال الأكثرون . ولو قال : طلقي نفسك بألف ، أو على ألف إن شئت فطلقت ، وقع بائنا ، وهذا تمليك بعوض . وإذا لم يجر عوض ، فهو كالهبة . قال القفال : ولو قال : طلقي نفسك ، فقالت : كيف يكون تطليقي لنفسي ، ثم قال : طلقت ، وقع الطلاق ولم يكن هذا القدر قاطعا ، وهذا تفريع على أن الكلام اليسير لا يضر تخلله .

                                                                                                                                                                        أما إذا قلنا : التفويض توكيل ، ففي اشتراط قبولها الخلاف المذكور في سائر الوكالات ، ويجيء الوجه الفارق بين صيغة الأمر بأن يقول : طلقي نفسك . وصيغة العقد ، كقوله : وكلتك في طلاق نفسك . وهل يجوز تأخير التطليق على هذا القول ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، فتطلق متى شاءت كتوكيل الأجنبي . والثاني وبه قال القاضي حسين والبغوي : لا ، وطرده القاضي فيما لو قال : وكلتك في طلاق نفسك .

                                                                                                                                                                        أما إذا قال : طلقي نفسك متى شئت ، فيجوز التأخير قطعا ، وللزوج أن يرجع [ ص: 47 ] فيه قبل أن تطلق نفسها إن جعلناه توكيلا ، وكذا إن جعلناه تمليكا على الصحيح ، ومنعه ابن خيران .

                                                                                                                                                                        ولو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فطلقي نفسك ، فإن قلنا : تمليك ، لغا ، وليس لها التطليق إذا جاء رأس الشهر . . وإن قلنا : توكيل ، جاز كتوكيل الأجنبي . وعلى هذا لو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فطلقي نفسك ، إن ضمنت لي ألفا ، أو قال : طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا بعد شهر ، فإذا طلقت نفسها على ألف بعد مضي الشهر ، طلقت ولزمها الألف .

                                                                                                                                                                        قال إسماعيل البوشنجي : لو قال لأجنبي : إذا جاء رأس الشهر ، فأمر امرأتي بيدك ، فإن كان قصده بذلك إطلاق الطلاق له بعد انقضاء الشهر ، فله التطليق بعد أي وقت شاء ، إلا أن يطرأ منع ، وإن أراد تقييد الأمر برأس الشهر ، تقيد الطلاق به ، وليس له التطليق بعده ، ولو قال : إذا مضى هذا الشهر فأمرها بيدك ، فمقتضاه إطلاق الإذن بعده ، فيطلقها بعده متى شاء ولو قال : أمرها بيدك إلى شهر أو شهرا ، فله أن يطلقها إلى شهر ، وليس له تطليقها بعده .

                                                                                                                                                                        وهذه الأحكام في حق الزوجة ، كهي في حق الأجنبي إذا جعلنا التفويض إليها توكيلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : طلقي نفسك ، فقالت : طلقت نفسي أو أنا طالق إذا قدم زيد ، لم يقع الطلاق إذا قدم ، لأنه لم يملكها التعليق ، وكذا حكم الأجنبي ، وفيها وجه حكاه الحناطي .

                                                                                                                                                                        [ ص: 48 ] ولو قال لها : علقي طلاقك ، ففعلت ، أو قاله لأجنبي ، ففعل ، لم يصح ، لأن تعليق الطلاق يجري مجرى الأيمان ، فلا يدخله نيابة ، وقيل : يصح ، وقيل : إن علق على صفة توجد لا محالة ، كطلوع الشمس ، ورأس الشهر ، صح لأن مثل هذا التعليق ليس بيمين ، وإن كانت محتملة الوجود كدخول الدار ، لم يصح ، لأنه يمين ، والصحيح هو الأول ، وبه قطع البغوي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تفويض الإعتاق إلى العبد ، كتفويض التطليق إلى الزوجة في الأحكام المذكورة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية