الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        كما يجوز التفويض بصريح الطلاق ، ويعتد من المفوض إليها بالصريح ، كذلك يجوز التفويض بالكنايات مع النية ، ويعتد منها بالكناية مع النية ، ولا يشترط توافق لفظيهما ، إلا أن يقيد التفويض .

                                                                                                                                                                        فإذا قال : أبيني نفسك ، أو بتي ، فقالت : أبنت ، أو بتت ، ونويا ، طلقت . وإن لم ينو أحدهما ، لم تطلق .

                                                                                                                                                                        ولو قال : طلقي نفسك ، فقالت : أبنت نفسي ، أو أنا خلية أو برية ، ونوت ، طلقت على الصحيح . وقال ابن خيران ، وأبو عبيد بن خربويه : لا تطلق . ولو قال : طلقي نفسك ، فقالت للزوج : طلقتك ، ففيه هذا الخلاف ، ويجري الخلاف في عكسه بأن يقول : أبيني نفسك ، أو فوضت إليك أمرك ، أو ملكتك نفسك ، أو أمرك بيدك وينوي ، فتقول : طلقت نفسي ، قال القاضي حسين وغيره : ويجري فيما لو قال لأجنبي : طلقها ، فقال : أبنتها ، ونوى ، أو قال : أبنها ونوى ، فقال : طلقتها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 49 ] ولو قال لها : أبيني نفسك ونوى ، فقالت : أنا خلية ونوت ، فإن قلنا بالصحيح ، طلقت ، وعلى قول ابن خيران ، وجهان . أصحهما : تطلق ، لأن الاعتماد هنا على النية ، واللفظ غير مستقل ، بخلاف اختلاف الصريح والكناية . ولو قال : طلقي نفسك بصريح الطلاق ، أو قال : بكناية الطلاق ، فعدل عن المأذون فيه إلى غيره ، لم تطلق بلا خلاف . ولو قال : طلقي نفسك ، فقالت : سرحت نفسي ، طلقت بلا خلاف لاشتراكهما في الصراحة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لها : اختاري نفسك ونوى تفويض الطلاق ، فقالت : اخترت نفسي ، أو اخترت ونوت ، وقعت طلقة . ولو قال : اختاري ولم يقل : نفسك ، ونوى تفويض الطلاق ، فقالت : اخترت ، ففي " التهذيب " أنه لا يقع الطلاق حتى تقول : اخترت نفسي ، وأشعر كلامه بأنه لا يقع وإن نوت ، لأنه ليس في كلامه ولا كلامها ما يشعر بالفراق ، بخلاف قوله : اختاري نفسك ، فإنه يشعر ، فانصرف كلامها إليه . وقال إسماعيل البوشنجي : إذا قالت : اخترت ، ثم قالت بعد ذلك : أردت : اخترت نفسي وكذبها الزوج ، فالقول قولها ، ويقع الطلاق .

                                                                                                                                                                        ولو قالت : اخترت نفسي ونوت ، وقعت طلقة ، وتكون رجعية إن كانت محلا للرجعة . ولو قالت : اخترت زوجي أو النكاح لم تطلق .

                                                                                                                                                                        ولو قالت : اخترت الأزواج ، أو اخترت أبوي ، أو أخي ، أو عمي ، طلقت على الأصح سواء قال : اختاري نفسك أو اختاري فقط .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        متى كان التفويض وتطليقها أو أحدهما بكناية فتنازعا في النية ، فالقول قول الناوي ، سواء أثبتها أم نفاها . وقال الإصطخري : إذا ادعت أنها نوت فأنكر [ ص: 50 ] صدق ، لأن الأصل بقاء النكاح ، والصحيح الأول ، لأن النية لا تعرف إلا من الناوي .

                                                                                                                                                                        ولو اختلفا في أصل التخيير ، فأنكره الزوج ، أو قال : خيرتك فلم تختاري في وقت الاختيار ، وقالت : اخترت ، فالقول قوله للأصل .

                                                                                                                                                                        قال ابن كج : ولو جعل أمرها إلى وكيل ، فقال لها الوكيل : أمرك بيدك وزعم أنه نوى الطلاق ، وصدقته المرأة ، وكذبه الزوج ، فالقول قول الوكيل على الصحيح ، لأنه أمينه . وقيل : القول قول الزوج للأصل .

                                                                                                                                                                        ولو توافق الزوجان على تكذيبه ، لم يقبل قول الوكيل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        القول في اشتراط الفور في قبولها إذا فوض بكناية ، على ما ذكرناه إذا فوض بصريح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : اختاري من ثلاث طلقات ما شئت ، أو طلقي نفسك من ثلاث ما شئت ، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو اثنتين ، ولا تملك الثلاث .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        خير صبية ، فاختارت ، لم تطلق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال المتولي : لو قال ثلاث مرات : اختاري ، وقال : أردت واحدة ، لم يقع إلا واحدة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 51 ] فرع

                                                                                                                                                                        ذكر إسماعيل البوشنجي أنه إذا قال : اختاري نفسك ، أو طلقي نفسك ، فقالت : أختار أو أطلق ، فمطلقة للاستقبال ، فلا يقع في الحال شيء . فإن قال : أردت الإنشاء ، وقع في الحال .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا كما قال ، ولا يخالف هذا قول النحويين ، أن الفعل المضارع إذا تجرد ، فالحال أولى به ، لأنه ليس صريحا في الحال ، وعارضه أصل بقاء النكاح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر إسماعيل البوشنجي أنه لو خيرها وهي لا تعلم ، فاختارت اتفاقا ، خرج على الخلاف فيما لو باع مال أبيه على أنه حي فكان ميتا ، والطلاق أولى بالنفوذ .

                                                                                                                                                                        وأنه لو قال لرجل : أمر امرأتي بيد الله تعالى وبيدك ، يسأل ، فإن قال : أردت أنه لا يستقل بالطلاق ، قبل قوله ولم يكن له أن يطلق ، وإن قال : أردت أن الأمور كلها بيد الله تعالى ، والذي أثبته الله لي جعلته في يدك ، قبل واستقل ذلك الرجل . وأنه لو قال : كل أمر لي عليك قد جعلته بيدك ، فعندي أن هذا ليس بتفويض صريح ، وأنه ليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا ما لم ينو هو الثلاث . وأنه لو قال لها : اختاري اليوم وغدا وبعد غد ، فالمضاف إلى الزمن المستقبل ينبغي أن يكون على الخلاف ، في أن التفويض عليك أم توكيل ؟ إن قلنا : تمليك ، لم يحتمل التراخي كالبيع ، وإلا فهو كتوكيله بالبيع اليوم وغدا وبعد غد ، فعلى هذا ، له الرد في بعض الأيام دون بعض .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية