الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الخامس في الكلام وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا قال : والله لا أكلمك فتنح عني ، أو قم أو اخرج ، أو شتمه ، أو زجره ، حنث ، سواء عقب هذا لليمين متصلا أم فصله ، لأنه كلمه . وقيل : لا يحنث إذا وصله ، لأن المقصود به تأكيد اليمين ، والصحيح الأول . ولو كتب إليه كتابا أو أرسل رسولا ، فقولان : الجديد : لا يحنث ، ومنهم من قطع به ، وقيل : القديم إنما هو إذا نوى بيمينه المكاتبة . وقيل : القولان في الغائب ، فإن كان معه في المجلس ، لم يحنث قطعا ، والمذهب طردهما في كل الأحوال . ويجريان في الإشارة بالرأس والعين ، ولا فرق على الجديد بين إشارة الأخرس والناطق ، وإنما أقيمت إشارة الأخرس في المعاملات مقام النطق للضرورة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 64 ] فرع

                                                                                                                                                                        هجران المسلم فوق ثلاثة أيام ، فلو كاتبه أو راسله ، فهل يزول الإثم ؟ نظر إن كانت مواصلتهما قبل الهجران بالمكاتبة أو المراسلة ، ارتفع الإثم ، وإلا فإن تعذر الكلام لغيبة أحدهما ، فكذلك ، وإلا ، فوجهان بناء على القولين الجديد والقديم ، حتى لو حلف أن يهاجره ، فهل يحنث بالمكاتبة والمراسلة ؟ فيه هذا الخلاف . وأطلق ابن أبي هريرة أنه يرتفع الإثم بالمكاتبة والمراسلة ، ثم لا يخفى أن المكاتبة إنما ترفع الإثم إذا خلت عن الإيذاء والإيحاش ، وإلا ، فهو كما لو كلمه بالشتم والإيذاء ، فإنه لا تزول به المهاجرة ، بل هو زيادة وحشة ، وتأكيد للمهاجرة ، ولا يحنث بمثل هذه المكاتبة إذا حلف على المهاجرة .

                                                                                                                                                                        قلت : تحريم المهاجرة فوق ثلاثة أيام إنما هو فيما إذا كانت المهاجرة لحظوظ النفوس وتعنتات أهل الدنيا ، فأما إذا كان المهجور مبتدعا أو مجاهرا بالظلم والفسوق ، فلا تحرم مهاجرته أبدا ، وكذا إذا كان في المهاجرة مصلحة دينية ، فلا تحريم ، وعلى هذا يحمل ما جرى للسلف من هذا النوع ، والأصح أنه لا يزول التحريم بالمكاتبة والمراسلة ، قال صاحب " البيان " : وينبغي أن تكون الإشارة والرمز كالمكاتبة كما قلنا في الحنث . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يكلمه ، ثم سلم عليه ، حنث ، لأن السلام كلام ، وأن يسلم على قوم هو فيهم ، فإن قصده بالسلام حنث . قال في " البيان " ويجيء أن لا يحنث على قول من قال : إذا حلف لا يأكل السمن ، فأكله مع غيره ، لا يحنث وإن استثنى لفظا ، لم يحنث ، وإن استثناه بالنية ، [ ص: 65 ] لم يحنث أيضا على المذهب . وإن أطلق ، حنث على الأظهر . ولو سلم من صلاته ، والمحلوف عليه من المأمومين ، ففيه هذا التفصيل . ولو صلى الحالف خلف المحلوف عليه ، فسبح لسهوه ، أو فتح عليه القراءة ، لم يحنث ، ولو قرأ آية ، فهم المحلوف عليه منها مقصوده ، فإن قصد القراءة ، لم يحنث ، وإلا ، فيحنث .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية