الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يقرأ الفاتحة ، وفيها إحدى عشرة تشديدة ، فإن ترك ترتيبها ، أو تشديدة منها ، أو قطعها بذكر كثير ، أو سكوت طويل ، لزمه استئنافها ، فإذا قال : ولا الضالين ، قال : آمين يجهر بها الإمام والمأموم في صلاة الجهر ، فإن لم يحسن الفاتحة ، أو ضاق الوقت إن تعلمها ، قرأ قدرها في عدد الحروف ، وقيل : في عدد الآيات من غيرها ، فإن لم يحسن إلا آية واحدة كررها بقدرها ، فإن لم يحسن شيئا من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى ، ولزمه أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فإن لم يحسن إلا بعض ذلك ، كرره بقدره ، فإن لم يحسن شيئا من الذكر ، وقف بقدر القراءة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يقرأ الفاتحة ) وهي ركن في كل ركعة في ظاهر المذهب لما روى عبادة مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه ، وفي لفظ : لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب رواه الدارقطني ، وقال : إسناده صحيح ، وعن أبي هريرة مرفوعا : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج يقوله ثلاثا رواه مسلم ، والخداج : النقصان في الذات نقص فساد وبطلان . تقول العرب : أخدجت الناقة ولدها أي : ألقته ، وهو دم لم يتم خلقه . فإن نسيها في ركعة لم يعتد بها ، وذكر ابن عقيل : أنه يأتي بها فيما بعدها مرتين ، ويعتد بها ، ويسجد للسهو ، وعنه : في الأوليين ، وعنه : يكفي آية من غيرها ، وظاهره ولو قصرت ، ولو كانت كلمة ، وعنه : سبع ، وعنه : ما تيسر ، وعنه : لا تجب قراءة في غير الأوليين ، والفجر ، لقول علي ، وحكى أبو الخطاب عن [ ص: 437 ] بعض العلماء أن الفاتحة تتعين في ركعة ، ويأتي حكم المأموم في قراءتها .



                                                                                                                          بديعة : سميت بالفاتحة ، لأنه يفتتح بقراءتها في الصلاة ، وبكتابتها في المصاحف ، وتسمى الحمد ، والسبع المثاني ، وأم الكتاب ، والواقية ، والشافية ، والأساس ، والصلاة ، وأم القرآن ، لأن المقصود منه تقرير أمور الإلهيات ، والمعاد ، والنبوات ، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى فالحمد لله ) إلى ( الرحيم ) يدل على الإلهيات ، و ( مالك يوم الدين ) يدل على المعاد ( إياك نعبد وإياك نستعين ) يدل على نفي الجبر والقدر ، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله تعالى ، و ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخرها يدل على الثواب ، وتسمى الشفاء ، والشافية ، والسؤال ، والدعاء ، وقال الحسن : أودع الله تعالى فيها معاني القرآن كما أودع فيه معنى الكتب السابقة ، وهي أفضل سورة ، قاله ابن شهاب ، وغيره ، وهي مكية ، وقال مجاهد : مدنية ، وخطئ في ذلك ، وقيل : نزلت مرتين فهي مكية مدنية ( وفيها إحدى عشرة تشديدة ) بغير خلاف ، وهذا على المذهب ، وعلى أن البسملة آية منها ، فيصير فيها أربعة عشرة تشديدة ، لأن فيها ثلاثة ، ويلزمه أن يأتي بقراءتها مرتبة مشددة غير ملحون فيها لحنا يحيل المعنى ، مثل كسر كاف ( إياك ) أو ضم تاء ( أنعمت ) أو فتح همزة الوصل في ( اهدنا )



                                                                                                                          ( فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها بذكر كثير أو سكوت طويل لزمه استئنافها ) وفيه مسائل .

                                                                                                                          الأولى : إذا ترك ترتيب الفاتحة ابتدأها ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها مرتبة [ ص: 438 ] متوالية ، وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي ولأن القرآن معجز ، والإعجاز يتعلق بالنظم والترتيب ، وهي ركن ، فلم يجز تنكيسها كتكبيرة الإحرام .

                                                                                                                          الثانية : إذا ترك شدة منها لزمه استئنافها ، لأن الشدة أقيمت مقام حرف ، ومن ترك حرفا منها فكأنه لم يقرأها ، لأن المركب ينعدم بعدم جزء من أجزائه ، وذكر القاضي في " الجامع " أنها لا تبطل بترك شدة ثابتة في خط المصحف ، وإنما هي صفة للحرف ، ويسمى تاركها قارئا للفاتحة ، ولا يختلف المذهب أنه إذا لينها ، ولم يحققها على الكمال أنه لا يعيد الصلاة ، لأن ذلك لا يحيل المعنى ، ويختلف باختلاف الناس ، قال في " المغني " و " الشرح " : ولعله إنما أراد في " الجامع " هذا المعنى فيكون قوله متفقا ، وفيه نظر .

                                                                                                                          الثالثة : إذا أطال قطعها بذكر كثير أو سكوت طويل لزمه استئنافها ، لأنه يعد معرضا عن الفاتحة بذلك ، وهو على أضرب .

                                                                                                                          أحدها : قطع بذكر أو سكوت مشروع كالتأمين ، وسجود التلاوة ، والتسبيح بالتنبيه ، واستماع قراءة الإمام ، فإنه لا يؤثر ، وإن طال ، ذكره ابن تميم ، وكذا إذا سمع آية رحمة فسأل أنه لا يعد معرضا ، وفي " الشرح " أنه إذا كثر استأنفها .

                                                                                                                          الثاني : قطع غير مشروع ، كالتهليل والتسبيح ، فذكر القاضي أن ذلك مبطل لها ، والأصح أن الكثير مبطل ، لأنه أحل بالموالاة ، بخلاف اليسير فإنه يعفى عنه .

                                                                                                                          [ ص: 439 ] الثالث : قطع بسكوت طويل غير مشروع فهذا مبطل لها في ظاهر كلام الجماعة ، وسواء كان باختيار أو مانع من عقله ، أو أرتج عليه ، لكن إن كان يسيرا جرت العادة به لم يقطع قراءتها ، سواء نوى قطعها أو لا ، لأنه يسير فعفي عنه ، وقال القاضي : يكون قطعها مع النية لتحقق الإعراض ، ولو نوى قطع القراءة لم يقطع ، لأن القراءة باللسان ، فلم ينقطع بخلاف نية الصلاة ، وقيل : إن سكت مع ذلك يسيرا انقطعت .

                                                                                                                          الرابع : قطع بسكوت طويل مشروع ، كالمأموم يشرع في القراءة ، ثم يسمع قراءة الإمام فينصت ، ثم يتمها بعد فراغ إمامه ، فهذا لا يؤثر ، لأنه مشروع كالذكر .



                                                                                                                          مسألة : يستحب أن يقرؤها مرتلة معربة ، يقف عند كل آية لقراءته عليه السلام ، ويكره الإفراط في التشديد ، والمد ، والترجيع ، وإن أحال منها معنى بلحن يقدر على إصلاحه لم يعتد به ، وإن لم يحل صح ، ذكره جماعة ، فإن قرأ ( غير المغضوب عليهم ) بظاء قائمة فأوجه ، ثالثها : إن عرف الفرق بينهما بطلت ، وإلا فلا .

                                                                                                                          ( فإذا قال : ولا الضالين قال : آمين ) بعد سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن ، وإنما هي طابع الدعاء ، ومعناه : اللهم استجب ، وقيل : اسم من أسمائه تعالى ، ويحرم تشديد الميم ، لأنه يصير بمعنى قاصدين ، ويخير في مد همزته وقصرها ، والمد أولى ، ذكره القاضي ( يجهر بها الإمام والمأموم في صلاة الجهر ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه [ ص: 440 ] تأمين الملائكة غفر له متفق عليه ، وروى أبو وائل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول آمين يمد بها صوته رواه أحمد ، وأبو داود ، والدارقطني ، وصححه ، وقال عطاء : كان ابن الزبير يؤمن ، ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة . رواه الشافعي ، وعن أحمد : ترك الجهر ، وعلى الأولى ، وهي الأصح يقولها المأموم بعد الإمام ، وذكر جماعة معا ، وإن تركه إمام أو أسره ، جهر به مأموم ليذكر الناس ، فإن تركه حتى قرأ غيره لم يقله ، ولم يتعرض المؤلف لذكر المنفرد ، وحكمه الجهر بها قياسا عليهما .



                                                                                                                          فرع : إذا قال : آمين رب العالمين ، فقياس قول أحمد في التكبير الله أكبر كبيرا لا يستحب ( فإن لم يحسن الفاتحة ) لزمه تعلمها ، لأنها واجبة في الصلاة ، فلزمه تحصيلها إذا أمكنه كشروطها ، فإن لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته ، فإن كان عاجزا عنه إما لبعد ( أو ضاق الوقت عن تعلمها ) سقط . قال أبو الفرج : إذا طال زمنه ( قرأ ) لما روى رفاعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قراءة فاقرأ ، وإلا فاحمد الله ، وهلله ، وكبر ، ثم اركع رواه أبو داود ، والترمذي ، وظاهره أنه لا ينتقل إلى الذكر إلا عند العجز عن القراءة ، ويعتبر أن يكون ذلك ( قدرها في عدد الحروف ) هذا قول في المذهب ، لأن الثواب مقدر بالحرف فكفى اعتباره ( وقيل في عدد الآيات ) دون عدد الحروف ( من غيرها ) لقوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني ولأنه عليه السلام عد الفاتحة سبعا ، ولأن من فاته صوم طويل لم يعتبر في القضاء مثله ، والمذهب أنه يعتبر أن يكون بعدد الآي ، والحروف من غير نقص ، لأن الحرف مقصود بدليل تقدير الحسنات به ، كالآي ، وليكون البدل كالمبدل حسب الإمكان ، وعنه : يجزئه قراءة آية ( فإن لم يحسن إلا آية كررها بقدرها ) [ ص: 441 ] قدمه في " المحرر " و " الفروع " وجزم به في " الوجيز " لأنه بمثابة من قرأها لكونها من جنس الواجب ، وظاهره لو أحسن آية منها فقط كررها في الأصح ، لأن الآية منها أقرب شبها إلى بقية الفاتحة من غيرها ، والثاني : يقرؤها مرة ، ويعدل إلى الذكر بقدر بقيتها ، لأنه إذا قرأها مرة فقد أسقط فرضها ، فيجب أن لا يعيدها ، كمن وجد بعض ما يكفيه لغسله فإنه يستعمله ، ثم ينتقل إلى البدل في الباقي ، وذكر بعضهم أنه إذا كان يحسن آخرها أتى قبله بالذكر كبدل ، ثم أتى بما يحسن منها ، وعنه : لا يلزمه تكرار آية ، اختاره ابن أبي موسى ، وقيل : يقرأ الآية ، وشيئا من غيرها ، وظاهر ما سبق أنه إذا أحسن بعض آية لا يكررها ، ذكره في " المغني " وغيره ، بل يعدل إلى غيره ، وقيل : هي كآية ، والآية الطويلة كآية الدين لا تحتاج إلى تكرار بخلاف القصيرة .

                                                                                                                          ( فإن لم يحسن شيئا من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى ) في المنصوص ، وصححه ابن تميم لقوله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا [ يوسف : 2 ] بلسان عربي [ الشعراء : 195 ] قال أحمد : القرآن معجز بنفسه أي : في اللفظ والمعنى ، قال الأصحاب : ترجمته بالفارسية لا تسمى قرآنا ، فلا يحرم على الجنب ، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ ، وقيل : يجوز لقوله تعالى وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ الأنعام : 19 ] وإنما ينذر كل قوم بلسانهم ، وجوابه ما سبق ( ولزمه أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) لما روى عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن ، فعلمني ما يجزئني ، فعلمه هؤلاء [ ص: 442 ] الخمس رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والدارقطني ، وزاد : في صلاتي بإسناد حسن ، ولم يأمره عليه السلام أن يصلي خلف قارئ ، زاد بعضهم في الحوقلة : العلي العظيم ، ولأن هذا بدل الجنس أشبه التيمم ، وعنه : يكرره بقدر الفاتحة ، وقاله ابن عقيل : وابن الجوزي ، والمذهب إسقاط الحوقلة كما ذكره في " المحرر " وقدمه في " الفروع " وعنه : يزيد على الخمس جملتين لتصير سبع جمل بدل آيات الفاتحة من أي ذكر شاء يحمد ، ويكبر ، وذكر ابنه في " التبصرة " يسبح ، ونقله صالح ، ونقل ابن منصور : ويكبر ، ونقل الميموني : ويهلل ، ونقل عبد الله : يحمد ، ويكبر ، ويهلل ، واحتج بخبر رفاعة ، فدل أنه لا يعتبر الكل ، ولا شيء معين .

                                                                                                                          فرع : إذا صلى وتلقف القراءة من غيره صحت ، ذكره في " النوادر " وفي " الفروع " ويتوجه على الأشهر يلزم غير حافظ يقرأ من مصحف .

                                                                                                                          ( فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره ) كما قلنا فيمن يحسن بعض الفاتحة ( فإن لم يحسن شيئا من الذكر ) زاد بعضهم : وعجز عن قارئ يومه ( وقف بقدر القراءة ) أي : قراءة الفاتحة ، ذكره في " المحرر " و " الوجيز " لأن القيام مقصود في نفسه ، لأنه لو تركه مع القدرة عليه لم يجزئه ، وإن كان أخرس فمع القدرة تجب القراءة والقيام بقدرها ، فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر ، لقوله عليه السلام : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .

                                                                                                                          مسألة : يستحب سكوت الإمام بعد الفاتحة ليقرأ من خلفه لئلا ينازع فيها ، كنصه على السكوت قبلها ، ونقل عبد الله : يسكت قبل القراءة وبعدها .

                                                                                                                          [ ص: 443 ] وقيل : ظاهر كلام أحمد أن السكتة إذا فرغ من القراءة كلها ، لئلا يصل القراءة بتكبيرة الركوع ، ولا يسن السكوت ليقرأ المأموم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية