الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الموت موتين : حسيا ومعنويا - كما أشير في الأنعام في آية : إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله أومن كان ميتا فأحييناه كان كأنه قيل : لا فرق في ذلك عندنا بين أموات الإيمان وأموات الأبدان ، فكما أنا فاوتنا بين جواهر الأراضي بخلق بعضها جيدا وبعضها رديئا كذلك فاوتنا بين عناصر الأناسي بجعل بعضها طيبا وبعضها خبيثا ، فالجيد العنصر يسهل إيمانه ، والخبيث الأصل يعسر إذعانه وتبعد استقامته وإيقانه والبلد الطيب أي : الذي طابت أرضه فكانت كريمة منبتة يخرج نباته أي : إذا نزل عليه الماء خروجا كثيرا حسنا [سهلا] غزيرا بإذن أي : بتمكين ربه أي : المربي له بما هيأه له ، [والذي طاب في الجملة ولم يصل إلى الغاية يخرج له نبات دون ذلك ، والخبيث لا يخرج له نبات أصلا بمنع ربه له] والذي خبث أي : حصلت له خباثة في جبلته بكون أرضه سبخة أو نحوها مما لا يهيئه الله تعالى للإنبات لا يخرج أي : نباته إلا أي : حال كونه نكدا أي : قليلا ضعيف المنفعة ، وهو [ ص: 424 ] - مع كونه دالا على أن ذلك ما كان على ما وصف مع استواء الأراضي في الأصل واستواء المياه ونسبتها إلى الأفلاك والنجوم إلا بالفاعل المختار - مثل ضربه – سبحانه - للمؤمن والكافر عند سماعهما للذكر من الكتاب والسنة ، [والآية من الاحتباك] .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما استوت هذه الآيات على الذروة من بدائع الدلالات ، كان السامع جديرا بأن يقول : هل تبين جميع هذه الآيات هذا البيان ؟ فقيل : كذلك أي : نعم ، مثل هذا التصريف ، وهو الترديد مع اختلاف الأنحاء لاختلاف الدلالات وإبرازها في قوالب الألفاظ الفائقة والمعاني الرائقة في النظوم المعجزة على وجوه لا تكاد تدخل تحت الحصر : نصرف الآيات أي : كلها. ولما تم ذلك على هذا المنهاج الغريب والمنوال العجيب المذكر بالنعم في أسلوب دال على التفرد وتمام القدرة - كان أنسب الأشياء ختمه بقوله مخصصا بها المنتفع لأنها بالنسبة إلى غيرهم كأنها لم توجد : لقوم يشكرون أي : يوجد منهم الشكر للنعم وجودا مستمرا فلا يشركون بل ينتفعون بما أنعم عليهم به وحده في عبادته وحده ، وينظرون بعقولهم أنه أقدرهم بنعمه على ما هم عاجزون عنه ، فلا يسلبون عنه شيئا من قدرته على بعث ولا غيره فإنهم يزعمون أنهم أهل معالي الأخلاق التي منها أنه ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية