الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا قد بالغوا في السفه في هذا القول ، وكان قد علم من محاورته - صلى الله عليه وسلم - لهم الحلم عنهم - اشتد التطلع إلى ما يكون من جوابه لهذا والتوقع له ، فشفى غليل هذا التشوف بقوله : [ ص: 441 ] قال قد وقع أي : حق ووجب وقرب أن يقع عليكم من ربكم أي : الذي غركم به تواتر إحسانه عليكم وطول إملائه لكم رجس أي : عذاب شديد الاضطراب في تتبع أقصاكم وأدناكم موجب لشدة اضطرابكم وغضب أي : شدة في ذلك العذاب لا تفلتون منها .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبرهم بذلك ، بين لهم أن سببه كلامهم هذا في سياق الإنكار ، فقال : أتجادلونني ولما كانت آلهتهم تلك التي يجادلون فيها لا تزيد على الأسماء لكونها خالية من كل معنى ، قال : في أسماء ثم بين أنه لم يسمها آلهة من يعبد به فقال : سميتموها أنتم وآباؤكم ولما كان لله تعالى أن يفعل ما يشاء وأن يأمر بالخضوع لمن يشاء ، قال نافيا التنزيل فإنه يلزم من نفي الإنزال : ما نـزل الله أي : الذي ليس الأمر إلا له بها أي : بتعبدكم لها أو بتسميتكم إياها ، وأغرق في النفي فقال : من سلطان ولعله أتى بصيغة التنزيل لأن التفعيل يأتي بمعنى الفعل المجدد وبمعنى الفعل بالتدريج فقصد [لأنه في سياق المجادلة وفي سورة مقصودها إنذار من أعرض عما دعا إليه هذا الكتاب النازل بالتدريج] - النفي بكل اعتبار ، سواء كان تجديدا أو تدريجا وإشارة إلى أنه لو نزل عليهم في الأمر بعبادتها شيء واحد لتوقفوا فيه لعدم فهمهم لمعناه حتى يكرر عليهم الأمر فيه مرة بعد أخرى ، فيعلموا أن ذلك أمر حتم لا بد منه كما فعله بنو إسرائيل في الأمر بذبح البقرة لأجل القتيل لأجل أنهم لم يعقلوا [ ص: 442 ] معناه ، دل ذلك قطعا على أن الأمر لهم بعبادتها إنما هو ظلام الهوى لأنه عمى محض من شأن الإنسان ركوبه بلا دليل أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبرهم بوقوع العذاب وسببه - بين لهم أن الوقوع ليس على ظاهره في الإنجاز ، وإنما معناه الوجوب الذي لا بد منه ، فقال : فانتظروا ثم استأنف الإخبار عن حاله بقوله : إني وأشار بقوله : معكم إلى أنه لا يفارقهم لخشيته منهم ولا غيرها من المنتظرين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية