الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا ينبغي أن يكون سببا للتصديق الذي هو سبب الرحمة بين أنه إنما سبب لهم العذاب ، وله ولمن تبعه النجاة ، فبدأ بالمؤمنين اهتماما بشأنهم بقوله : فأنجيناه أي : بما لنا من العظمة إنجاء وحيا سريعا سللناهم به من ذلك العذاب كسل الشعرة من العجين والذين معه أي : في الطاعة ، وأشار إلى أنه لا يجب على الله شيء بقوله : برحمة أي : بإكرام وحياطة منا أي : لا بعمل ولا غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما قدم الإنجاء اهتماما به ، أتبعه حالهم فقال معلما بأن أخذه على غير أخذ الملوك الذين يعجزون عن الاستقصاء في الطلب ، فتفوتهم أواخر العساكر وشذاب الجنود والأتباع وقطعنا دابرهم أي : آخرهم ، هكذا كان الأصل ، ولكنه أظهر تصريحا بالمقصود وبيانا لعلة أخذهم ، فقال : دابر أي : آخر ، أي : استأصلنا وجعلنا ذلك الاستئصال معجزة لهود - عليه السلام - الذين كذبوا بآياتنا أي : ولم يراقبوا عظمتها بالنسبة [ ص: 443 ] إلينا وقوله : وما كانوا أي : خلقا وجبلة مؤمنين عطف على صلة " الذين " وهي : كذبوا بآياتنا وهي جارية مجرى التعليل لأخذهم ، مؤذنة بأنه لا يحصل منهم صلاح كما ختم قصة نوح بقوله : إنهم كانوا قوما عمين تعليلا لإغراقهم ، أي : أنا قطعنا دابرهم وهم مستحقون لذلك ، لأنهم غير قابلين للإيمان لما فيهم من شدة العناد ولزوم الإلحاد ، فالمعنى : وما كان الإيمان من صفتهم ، أي : ما آمنوا في الماضي ولا يؤمنون في الآتي ، فيخرج منه من آمن وكان قد كذب قبل إيمانه ومن لم يؤمن في حال دعائه لهم وفي علم الله أنه سيؤمن ، ويزيده حسنا أنهم لما افتتحوا كلامهم بأن نسبوه إلى السفاهة كاذبين; ناسب ختم القصة بأن يقلب الأمر عليهم فيوصفوا بمثل ذلك صدقا بكلام يبين أن اتصافهم به هو الموجب لما فعل بهم ؛ لأن الإيمان لا يصدر إلا عن كمال الثبات والرزانة وترك الهوى وقمع رعونات النفس والانقياد لواضح الأدلة وظاهر البراهين ، فمن تركه مع ذلك فهو في غاية الطيش والخفة وعدم العقل ، وأيضا فوصفهم بالتكذيب بالفعل الماضي لا يفهم دوامهم على تكذيبهم ، فقال - سبحانه - ذلك لنفي احتمال أنهم آمنوا بعد التكذيب وأن أخذهم إنما كان لمطلق صدور التكذيب منهم ، وأنهم لم يبادروا إلى الإيمان قبل التكذيب ، ويحتمل أن تكون الجملة حالا ، والمعنى على كل تقدير : قطعنا دابرهم في حال تكذيبهم وعدم إيمانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية