الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه " وكنتم على شفا حفرة من النار " ، وكنتم ، يا معشر المؤمنين ، من الأوس والخزرج ، على حرف حفرة من النار . وإنما ذلك مثل لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام . يقول تعالى ذكره : وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام ، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا ، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم ، فتكونوا من الخالدين فيها ، فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له .

و"شفا الحفرة" ، طرفها وحرفها ، مثل "شفا الركية والبئر "; ومنه قول الراجز :

نحن حفرنا للحجيج سجله نابتة فوق شفاها بقله [ ص: 86 ]

يعني : فوق حرفها . يقال : "هذا شفا هذه الركية " مقصور "وهما شفواها "

وقال : " فأنقذكم منها " ، يعني فأنقذكم من الحفرة ، فرد الخبر إلى "الحفرة " ، وقد ابتدأ الخبر عن "الشفا " ، لأن "الشفا " من "الحفرة " . فجاز ذلك ، إذ كان الخبر عن "الشفا " على السبيل التي ذكرها في هذه الآية خبرا عن "الحفرة " ، كما قال جرير بن عطية :

    رأت مر السنين أخذن مني
كما أخذ السرار من الهلال [ ص: 87 ]

فذكر : "مر السنين " ، ثم رجع إلى الخبر عن "السنين " ، وكما قال العجاج :

    طول الليالي أسرعت في نقضي
طوين طولي وطوين عرضي

وقد بينت العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7591 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته " ، كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا ، وأبينه ضلالة ، وأعراه [ ص: 88 ] جلودا ، وأجوعه بطونا ، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين فارس والروم ، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه . من عاش منهم عاش شقيا ، ومن مات ردي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض ، كانوا فيها أصغر حظا ، وأدق فيها شأنا منهم ، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام ، فورثكم به الكتاب ، وأحل لكم به دار الجهاد ، ووضع لكم به من الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس . وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين ، وإن أهل الشكر في مزيد الله ، فتعالى ربنا وتبارك .

7592 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قوله : " وكنتم على شفا حفرة من النار " ، يقول : كنتم على الكفر بالله ، " فأنقذكم منها " ، من ذلك ، وهداكم إلى الإسلام .

7593 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " ، بمحمد صلى الله عليه وسلم يقول : كنتم على طرف النار ، من مات منكم أوبق في النار ، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فاستنقذكم به من تلك الحفرة . [ ص: 89 ]

7594 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا حسن بن حي : " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " قال : عصبية .

التالي السابق


الخدمات العلمية