الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ( 109 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أنه يعاقب الذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنه معاقبهم به من العذاب العظيم وتسويد الوجوه ، ويثيب أهل الإيمان به الذين ثبتوا على التصديق والوفاء بعهودهم التي عاهدوا عليها بما وصف أنه مثيبهم به من الخلود في جنانه ، من غير ظلم منه لأحد الفريقين فيما فعل ، لأنه لا حاجة به إلى الظلم . وذلك أن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد إلى عزه عزة بظلمه إياه ، أو إلى سلطانه سلطانا ، أو إلى ملكه ملكا ، أو إلى نقصان في بعض أسبابه يتمم بها ظلم غيره فيه ما كان ناقصا من أسبابه عن التمام . فأما من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب ، وما في الدنيا والآخرة ، فلا معنى لظلمه أحدا ، فيجوز أن يظلم شيئا ، لأنه ليس من أسبابه شيء ناقص يحتاج إلى تمام ، فيتم ذلك بظلم [ ص: 99 ] غيره ، تعالى الله علوا كبيرا . ولذلك قال جل ثناؤه عقيب قوله : " وما الله يريد ظلما للعالمين " ، " ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور " .

واختلف أهل العربية في وجه تكرير الله تعالى ذكره اسمه مع قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " ظاهرا ، وقد تقدم اسمه ظاهرا مع قوله : " ولله ما في السماوات وما في الأرض " .

فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة : ذلك نظير قول العرب : "أما زيد فذهب زيد " ، وكما قال الشاعر :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

فأظهر في موضع الإضمار .

وقال بعض نحويي الكوفة : ليس ذلك نظير هذا البيت ، لأن موضع "الموت " [ ص: 100 ] الثاني في البيت موضع كناية ، لأنه كلمة واحدة ، وليس ذلك كذلك في الآية ، لأن قوله : " ولله ما في السماوات وما في الأرض " خبر ، ليس من قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " في شيء ، وذلك أن كل واحدة من القصتين مفارق معناها معنى الأخرى ، مكتفية كل واحدة منهما بنفسها ، غير محتاجة إلى الأخرى . وما قال الشاعر : "لا أرى الموت " ، محتاج إلى تمام الخبر عنه .

قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني عندنا أولى بالصواب ، لأن كتاب الله عز وجل لا توجه معانيه وما فيه من البيان ، إلى الشواذ من الكلام والمعاني ، وله في الفصيح من المنطق والظاهر من المعاني المفهوم ، وجه صحيح موجود .

وأما قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " فإنه يعني تعالى ذكره : إلى الله مصير أمر جميع خلقه ، الصالح منهم والطالح ، والمحسن والمسيء ، فيجازي كلا على قدر استحقاقهم منه الجزاء ، بغير ظلم منه أحدا منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية