الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحبلى من غير الواطئ

ثبت في " صحيح مسلم " : من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ( أن [ ص: 141 ] النبي صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة مجح على باب فسطاط ، فقال : " لعله يريد أن يلم بها " . فقالوا : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه ، وهو لا يحل له ، كيف يستخدمه وهو لا يحل له ) .

قال أبو محمد ابن حزم : لا يصح في تحريم وطء الحامل خبر غير هذا . انتهى وقد روى أهل " السنن " من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس : " لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ) .

وفي الترمذي وغيره من حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره ) قال الترمذي : حديث حسن .

وفيه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن ) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له ) كان شيخنا يقول في معناه : كيف يجعله عبدا موروثا عنه ويستخدمه استخدام العبيد وهو ولده ؛ لأن وطأه زاد في خلقه ؟ قال الإمام أحمد : الوطء يزيد في سمعه وبصره . قال : فيمن اشترى جارية حاملا من غيره فوطئها قبل وضعها ، فإن الولد لا يلحق بالمشتري ولا يتبعه ، لكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في [ ص: 142 ] الولد وقد روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن ( النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مجح على باب فسطاط ، فقال : " لعله يريد أن يلم بها ) وذكر الحديث . يعني : أنه إن استلحقه وشركه في ميراثه ، لم يحل له ؛ لأنه ليس بولده ، وإن أخذه مملوكا يستخدمه لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد .

وفي هذا دلالة ظاهرة على تحريم نكاح الحامل سواء كان حملها من زوج أو سيد أو شبهة أو زنى ، وهذا لا خلاف فيه إلا فيما إذا كان الحمل من زنى ، ففي صحة العقد قولان : أحدهما : بطلانه وهو مذهب أحمد ، ومالك . والثاني : صحته وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ثم اختلفا فمنع أبو حنيفة من الوطء حتى تنقضي العدة وكرهه الشافعي ، وقال أصحابه لا يحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية