الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فصل

قال الرازي:

القسم الثاني من هذا الكتاب: في تأويل المتشابهات من الأخبار والآيات.

والكلام فيه مرتب على مقدمة وفصول".

فيقال: مقصوده بذلك الآيات والأخبار التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله، التي يجب عنده نفي دلالتها على شيء من الصفات التي ينفيها وتسمية هذه الآيات والأحاديث كلها متشابهات.

واعتقاد أن المتشابه من ذلك له معنيان: أحدهما حق، والآخر باطل، وأن ظاهرها باطل، أمر لم يذهب إليه من سلف الأمة وأئمتها، فإن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله [ ص: 448 ] [آل عمران: 7] وهذا حق، وسنتكلم إن شاء الله على الآية حيث تكلم هو عليها.

لكن المقصود هنا أن تعيين هذه الآيات والأخبار بأنها من المتشابهات هو قوله ورأيه ورأي من يوافقه، وكذلك كل طائفة من أهل الكلام والأهواء والبدع يجعلون ما خالف مذهبهم من القرآن والحديث متشابها، وما وافقه محكما، والجهمية والمعتزلة لا يجعلون المتشابه ما ذكر هو فقط، بل عندهم ما دل على أن الله يرى، وأن لله علما أو قدرة أو مشيئة أو وجها أو سمعا أو بصرا أو أنه يتكلم بنفسه، أو غير ذلك، فهو عندهم من المتشابه، والقرامطة والغالية، والفلاسفة عندهم أسماء الله الحسنى هي من جملة المتشابه، وكذلك عندهم ما أخبر الله به من أمور الآخرة هو من المتشابه.

[ ص: 449 ] وغرضهم بذكر لفظ المتشابه أن لا يؤمن بما دل عليه اللفظ، بل إما أن يعرض عنه، وإما أن يحال إلى معنى آخر بعيد عن دلالة اللفظ، وكذلك القدرية من المعتزلة وغيرهم عندهم آيات القدر كلها متشابهة، والمحكم آيات الأمر، وإذا كانت كل طائفة تقول إنه متشابه ما تقول الأخرى إنه محكم كان تسميته لذلك متشابها من جملة دعاويه ولم يكن بد من الفرق بين المحكم والمتشابه، وهو قد ذكر ذلك فيما بعد، فيؤخر الكلام عليه إلى موضعه.

إذ المقصود هنا أن لا يسلم له تسميته جميع هذه الآيات [ ص: 450 ] والأخبار متشابهة، فإن ذلك دعوى لم يذكر هنا حجتها.

[ ص: 451 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية