الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون في ما ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1229 ] (141 - 144 كذبت ثمود القبيلة المعروفة في مدائن الحجر المرسلين كذبوا صالحا - عليه السلام - الذي جاء بالتوحيد، الذي دعت إليه المرسلون، فكان تكذيبهم له تكذيبا للجميع، إذ قال لهم أخوهم صالح في النسب، برفق ولين: ألا تتقون الله تعالى، وتدعون الشرك والمعاصي. إني لكم رسول من الله ربكم، أرسلني إليكم؛ لطفا بكم ورحمة، فتلقوا رحمته بالقبول، وقابلوها بالإذعان، أمين تعرفون ذلك مني، وذلك يوجب عليكم أن تؤمنوا بي، وبما جئت به، وما أسألكم عليه من أجر فتقولون: يمنعنا من اتباعك أنك تريد أخذ أموالنا، إن أجري إلا على رب العالمين أي: لا أطلب الثواب إلا منه.

                                                                                                                                                                                                                                        (145 - 152 أتتركون في ما ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم أي: نضيد كثير، أي: أتحسبون أنكم تتركون في هذه الخيرات والنعم سدى، تتنعمون وتتمتعون كما تتمتع الأنعام، وتتركون سدى لا تؤمرون ولا تنهون، وتستعينون بهذه النعم على معاصي الله؟! وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين أي بلغت بكم الفراهة والحذق إلى أن اتخذتم بيوتا من الجبال الصم الصلاب. فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين تجاوزوا الحد، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون أي: الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض بعمل المعاصي والدعوة إليها، إفسادا لا إصلاح فيه، وهذا أضر ما يكون؛ لأنه شر محض، وكأن أناسا عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم، موضعون في الدعوة لسبيل الغي، فنهاهم صالح عن الاغترار بهم، ولعلهم الذين قال الله فيهم: وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . (153 - 154) فلم يفد فيهم هذا النهي والوعظ شيئا فقالوا لصالح: إنما أنت من المسحرين أي: قد سحرت، فأنت تهذي بما لا معنى له، و ما أنت إلا بشر مثلنا فأي فضيلة فقتنا بها حتى تدعونا إلى اتباعك؟ فأت بآية إن كنت من الصادقين هذا مع أن مجرد اعتبار حالته وحالة ما دعا إليه من أكبر الآيات البينات على صحة ما جاء به وصدقه، ولكنهم من قسوتهم سألوا آيات الاقتراح، التي في الغالب لا يفلح من طلبها؛ لكون طلبه مبنيا على التعنت لا على الاسترشاد.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1230 ] (155 - 156) فقال صالح: هذه ناقة تخرج من صخرة صماء ملساء – تابعنا في هذا كثيرا من المفسرين، ولا مانع من ذلك - ترونها وتشاهدونها بأجمعكم لها شرب ولكم شرب يوم معلوم أي: تشرب ماء البئر يوما وأنتم تشربون لبنها، ثم تصدر عنكم اليوم الآخر وتشربون أنتم ماء البئر ولا تمسوها بسوء بعقر أو غيره فيأخذكم عذاب يوم عظيم . (157 - 159) فخرجت واستمرت عندهم بتلك الحال فلم يؤمنوا واستمروا على طغيانهم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب وهي صيحة نزلت عليهم، فدمرتهم أجمعين، إن في ذلك لآية على صدق ما جاءت به رسلنا، وبطلان قول معارضيهم، وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية