الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 5 ] باب نزول عيسى عليه الصلاة والسلام

الفصل الأول

5505 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم ، حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها " . ثم يقول أبو هريرة : فاقرءوا إن شئتم : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته الآية . متفق عليه .

التالي السابق


[ 5 ] باب نزول عيسى عليه الصلاة والسلام

الفصل الأول

5505 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم ، حكما " ) : بفتحتين أي حاكما ( " عدلا " ) أي : عادلا ، ( " فيكسر " ) : بالرفع ، وقيل بالنصب : والفاء فيه تفصيلية لقوله : حكما عدلا ، أو تفريعية أي : يهدم ويقطع ( " الصليب " ) ، قال في شرح السنة وغيره : أي فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية . وقال ابن الملك : الصليب في اصطلاح النصارى خشبة مثلثة يدعون أن عيسى - عليه الصلاة والسلام - صلب على خشبة مثلثة على تلك الصورة ، وقد يكون فيه صورة المسيح ، ( " ويقتل الخنزير " ) أي : يحرم اقتناءه وأكله ، ويبيح قتله ، في شرح السنة : وفيه بيان أن أعيانها نجسة ; لأن عيسى - عليه الصلاة والسلام - إنما يقتلها على حكم شرع الإسلام ، والشيء الطاهر المنتفع به لا يباح إتلافه انتهى . وفيه أنه قد يباح لمصلحة دينية أو دنيوية ، مع أن في كون الخنزير نجس العين بجميع أجزائه خلافا للعلماء ، ( " ويضع الجزية " ) أي : عن أهل الكتاب ، ويحملهم على الإسلام ، ولا يقبل منهم غير دين الحق ، [ ص: 3494 ] وقيل : يضع الجزية عنهم لأنه لا يوجد محتاج يقبل الجزية منهم ; لكثرة المال ، وقلة أهل الحرص والآمال ، ويؤيده قوله : ( " ويفيض " ) : بفتح أوله من فاض الماء يفيض ، إذا كثر حتى سال كالوادي على ما في القاموس ، أي يكثر ( " المال حتى لا يقبله أحد " ) أي : من الرجال ، ( " حتى تكون السجدة " ) أي : الواحدة لما فيها من لذة العبادة ، والمراد بالسجدة نفسها أو الصلاة بكمالها لتضمنها لها ، ( " خيرا من الدنيا وما فيها " ) ، قال الطيبي - رحمه الله تعالى : حتى الأولى متعلقة بقوله : ويفيض المال ، والثانية غاية لمفهوم قوله : فيكسر الصليب إلخ ، أقول : والأظهر أن الثانية بدل من الأولى ، أو غاية لما قبلها قائمة مقام العلة لها . قال التوربشتي - رحمه الله : لم تزل السجدة الواحدة في الحقيقة كذلك ، وإنما أراد بذلك أن الناس يرغبون في أمر الله ويزهدون عن الدنيا ، حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليه من الدنيا وما فيها .

( ثم يقول أبو هريرة : فاقرءوا إن شئتم : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته الآية ) : بالنصب ، ويجوز رفعها وخفضها وقدمنا وجهها . قال الطيبي - رحمه الله : استدل بالآية على نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - في آخر الزمان ; مصداقا للحديث ، وتحريره : أن الضميرين في به وقبل موته لعيسى ، والمعنى : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى ، وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله ، فتكون الملة واحدة ، وهي ملة الإسلام انتهى .

وقيل : المعنى ليس أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - عند المعاينة قبل خروج الروح ، وهو لا ينفع ، فضمير به راجع إلى نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - وضمير موته للكتابي ، وقيل : كل منهم يؤمن عند الموت بعيسى ، وأنه عبد الله وابن أمته ولا ينفع ، وقيل : ضمير به لله سبحانه أي : كل منهم يؤمن به تعالى عند الموت ولا ينفع ، والأولى مذهب أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في الآية . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية