الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 37 ] القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [4 ] والذين يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون

                                                                                                                                                                                                                                      " والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" والمراد "بما أنزل إليك" الكتاب المنزل كله ، وإنما عبر عنه بلفظ الماضي - وإن كان بعضه مترقبا - تغليبا للموجود على ما لم يوجد . كما أن المراد من قوله : "وما أنزل من قبلك" الكتب الإلهية السالفة كلها . وهذا كقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله والكتاب الذي أنـزل من قبل الآية . والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل . فنزول الكتب الإلهية إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام بأن يتلقاها جبريل من جنابه عز وجل فينزل بها إلى الرسل عليهم السلام . ولهذا يقال : القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، منه بدأ .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد وغيره : وإليه يعود أي هو المتكلم به . قال تعالى : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق وقال تعالى : قل نـزله [ ص: 38 ] روح القدس من ربك بالحق وقال تعالى : تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم

                                                                                                                                                                                                                                      " وبالآخرة هم يوقنون الآخرة في الأصل : تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار ، بدليل قوله تعالى : تلك الدار الآخرة سميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا . وقيل للدنيا : دنيا ، لأنها أدنى من الآخرة . وهما من الصفات الغالبة . ومع ذلك فقد جريا مجرى الأسماء ; إذ قد غلب ترك ذكر اسم موصوفهما معهما ، كأنهما ليسا من الصفات .

                                                                                                                                                                                                                                      والإيقان إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه ، وفي تقديم "الآخرة" وبناء "يوقنون" على "هم" تعريض بأهل الكتاب ، وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته . كزعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى ؛ وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ؛ واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا ؟ وهل هو دائم أو لا ؟ فاعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة ، فضلا عن الوصول إلى مرتبة اليقين ! .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية