الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا

                                                                                                                                                                                                        5680 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن أبي بردة بريد بن أبي بردة قال أخبرني جدي أبو بردة عن أبيه أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا إذ جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا ) بجر بعضهم على البدل ويجوز الضم .

                                                                                                                                                                                                        حدثنا سفيان حدثني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة " فذكره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( المؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) اللام فيه للجنس والمراد بعض المؤمنين للبعض ، وقوله يشد بعضه بعضا بيان لوجه التشبيه ، وقال الكرماني نصب بعضا بنزع الخافض ، وقال غيره بل هو مفعول يشد . قلت : ولكل وجه . قال ابن بطال : والمعاونة في أمور الآخرة وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها وقد ثبت حديث أبي هريرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم شبك بين أصابعه ) هو بيان لوجه التشبيه أيضا أي يشد بعضهم بعضا مثل هذا الشد ، ويستفاد منه أن الذي يريد المبالغة في بيان أقواله يمثلها بحركاته ليكون أوقع في نفس السامع .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 465 ] قوله : ( وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا إذ جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل بوجهه فقال اشفعوا ) هكذا وقع في النسخ من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري ، وفي تركيبه قلق ، ولعله في الأصل : كان إذا كان جالسا إذا جاء رجل إلخ فحذف اختصارا أو سقط على الراوي لفظ " إذا كان " على أنني تتبعت ألفاظ الحديث من الطرق فلم أره في شيء منها بلفظ جالسا ، وقد أخرجه أبو نعيم من رواية إسحاق بن زريق عن الفريابي بلفظ " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه السائل أو طالب الحاجة أقبل علينا بوجهه " الحديث ، وهذا السياق لا إشكال فيه ، وأخرجه النسائي من طريق يحيى القطان عن سفيان مختصرا اقتصر على قوله : اشفعوا تؤجروا إلخ " وأخرجه الإسماعيلي من رواية عمر بن علي المقدمي عن سفيان الثوري ، لكنه جعله كله من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أوتى فأسأل أو تطلب إلي الحاجة وأنتم عندي ، فاشفعوا " الحديث . وقد أخرجه المصنف في الباب الذي يليه من رواية أبي أسامة عن بريد ولفظه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة " ومن هذا الوجه أخرجه مسلم ، وتقدم في الزكاة من رواية عبد الواحد بن زياد عن بريد بلفظ " كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه الحاجة " وكذا أخرجه مسلم من رواية علي بن مسهر وحفص بن غياث كلاهما عن بريد بلفظ " كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال " فذكره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلتؤجروا ) كذا للأكثر ، وفي رواية كريمة تؤجروا وقال القرطبي : وقع في أصل مسلم اشفعوا تؤجروا بالجزم على جواب الأمر المضمن معنى الشرط وهو واضح وجاء بلفظ فلتؤجروا وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة لأنها لام كي وتكون الفاء زائدة كما زيدت في حديث قوموا فلأصلي لكم ويكون معنى الحديث اشفعوا كي تؤجروا ، ويحتمل أن تكون لام الأمر والمأمور به التعرض للأجر بالشفاعة ، فكأنه قال : اشفعوا فتعرضوا بذلك للأجر ، وتكسر هذه اللام على أصل لام الأمر ، ويجوز تسكينها تخفيفا لأجل الحركة التي قبلها . قلت : ووقع في رواية أبي داود اشفعوا لتؤجروا وهو يقوي أن اللام للتعليل ، وجوز الكرماني أن تكون الفاء سببية واللام بالكسر وهي لام كي ، وقال جاز اجتماعهما لأنهما لأمر واحد ، ويحتمل أن تكون جزائية جوابا للأمر ، ويحتمل أن تكون زائدة على رأي أو عاطفة على اشفعوا واللام لام الأمر ، أو على مقدر أي اشفعوا لتؤجروا فلتؤجر أو لفظ اشفعوا تؤجروا في تقدير إن تشفعوا تؤجروا والشرط يتضمن السببية فإذا أتى باللام وقع التصريح بذلك . وقال الطيبي : الفاء واللام زائدتان للتأكيد لأنه لو قيل اشفعوا تؤجروا صح أي إذا عرض المحتاج حاجته علي فاشفعوا له إلي فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أم لا ، ويجري الله على لسان نبيه ما شاء أي من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها ، أي إن قضيتها أو لم أقضها فهو بتقدير الله - تعالى - وقضائه .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع في حديث عن ابن عباس سنده ضعيف رفعه من سعى لأخيه المسلم في حاجة قضيت له أو لم تقض غفر له .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وليقض الله على لسان نبيه ما شاء ) كذا ثبت في هذه الرواية وليقض باللام ، وكذا في رواية أبي أسامة التي بعدها للكشميهني فقط وللباقين ويقضي بغير لام ، وفي رواية مسلم من طريق علي بن مسهر وحفص بن غياث فليقض أيضا قال . القرطبي : لا يصح أن تكون هذه اللام لام الأمر لأن الله لا يؤمر ، ولا لام كي لأنه ثبت في الرواية وليقض بغير ياء مد ثم قال : يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء أي اللهم اقض ، أو الأمر هنا بمعنى الخبر . وفي حديث الحض على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه ، والشفاعة إلى الكبير في [ ص: 466 ] كشف كربة ومعونة ضعيف ، إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده ليعرف حاله على وجهه ، وإلا فقد كان - صلى الله عليه وسلم - لا يحتجب . قال عياض : ولا يستثنى من الوجوه التي تستحب الشفاعة فيها إلا الحدود ، وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه ولا سيما ممن وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف ، قال : وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا يشفع فيهم ليزجروا عن ذلك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية