الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم ( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي : رحمه الله تعالى الصوم في اللغة : هو الإمساك ومنه قول النابغة

خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

أي واقفة ومنه صام النهار إذا وقفت الشمس ساعة الزوال ، وفي الشريعة : عبارة عن إمساك مخصوص ، وهو الكف عن قضاء الشهوتين شهوة البطن وشهوة الفرج من شخص مخصوص ، وهو أن يكون مسلما طاهرا من الحيض والنفاس وفي وقت مخصوص ، وهو ما بعد طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس بصفة مخصوصة ، وهو أن يكون على قصد التقرب فالاسم شرعي فيه معنى اللغة وأصل فرضية الصوم ثبت بقوله تعالى { كتب عليكم الصيام } إلى قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ففيه بيان السبب الذي جعله الشرع موجبا ، وهو شهود الشهر وأمر بالأداء نصا بقوله فليصمه وقال صلى الله عليه وسلم { : بني الإسلام على خمس } ، وذكر من جملتها الصوم وقد كان وقت الصوم في الابتداء من حين يصلي العشاء أو ينام وهكذا كان في شريعة من قبلنا ثم خفف الله تعالى الأمر على هذه الأمة ، وجعل أول الوقت من حين يطلع الفجر بقوله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم } الآية قال أبو عبيد : الخيط الأبيض الصبح الصادق والخيط اللون وفي حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الخيط الأبيض والأسود بياض النهار وسواد الليل } وسبب هذا التخفيف ما ابتلي به عمر بن الخطاب رضي الله عنه { وما ابتلي به صرمة بن أنس حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم مجهودا فقال : ما لك أصبحت طلحا أو قال طليحا } الحديث ومعنى التخفيف أن المعتاد في الناس أكلتان الغداء والعشاء فكان التقرب بالصوم في الابتداء بترك الغداء والاكتفاء بأكلة واحدة وهي العشاء ثم إن الله تعالى أبقى لهذه الأمة الأكلتين جميعا ، وجعل معنى التقرب في تقديم الغداء عن وقته كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحور إنه الغذاء المبارك والتقرب بالصوم من حيث مجاهدة النفس والمجاهدة في هذا من وجهين : أحدهما : بمنع النفس من [ ص: 55 ] الطعام وقت الاشتهاء والثاني بالقيام وقت حبها المنام ومن المجاهدة حفظ اللسان وتعظيم ما عظم الله تعالى كما بدأ به الكتاب وذكر عن مجاهد رحمه الله تعالى أنه كان يكره أن يقول الرجل جاء رمضان وذهب رمضان ولكن ليقل جاء شهر رمضان وذهب شهر رمضان قال لا أدري لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى فكأنه ذهب في هذا إلى ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى } وفي رواية { ولكن عظموه كما عظمه الله تعالى } واختار بعض مشايخنا قول مجاهد في هذا فقال : والصحيح من المذهب أنه يكره ذلك ; لأن محمدا رحمه الله تعالى لم يبن مذهب نفسه ، ولا روى خبرا بخلاف قول مجاهد وقالوا : في بيان المعنى إنه مشتق من الإرماض ، وهو الإحراق والمحرق للذنوب المذهب لها هو الله تعالى ، والذي عليه عامة مشايخنا أنه لا بأس بذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : عمرة في رمضان تعدل حجة } وقال { : من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر } وقال { : إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة } وليس فيها ذكر رمضان واثبات الاسم لا يكون بالآحاد وإنما يكون بالمتواتر والمشاهير ، ولو كان من أسماء الله تعالى فهو اسم مشترك كالحكيم والعالم ولا بأس بأن يقال : جاء الحكيم والعالم والمراد به غير الله تعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية