الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 71 ] فصل

قال الرازي: "السادس: قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115]، وقال تعالى: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون [الواقعة: 85].

قلت: أما آية القرب، فهي نظير قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]، وقد تقدمت، وأما قوله: فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115] فلم يذكر من أي وجه يجب مخالفة ظاهر الآية. وكأنه يقول: ظاهرها أن نفس صفة الله (ثم)، وصفة الله لا تكون (ثم ).

والكلام على هذه الآية من وجوه:

أحدها: أن يقال نحو ما ذكرته في بعض المجالس، فإن هذه الآية هي [التي] أوردها علي بعض أكابر [ ص: 72 ] الجهمية، لما ذكرت أن السلف لم يتأولوا آيات الصفات وأخبارها، وجرى في ذلك مناظرة مشهورة [وكانوا] أياما يكشفون الكتب، ويطالعون ما قدروا عليه، ويفتشون الخزائن، حتى وجدوا ما زعموا أنهم يعارضون به، فلما اجتمعنا في المجلس الثاني أو الثالث، قال ذلك الشخص: قد وجدنا عن السلف أنهم تأولوا. فقلت: لعلك قد وجدت قولهم في قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115] أي: قبلة الله. فقال: نعم. فقلت: هذا معروف عن مجاهد، والشافعي [ ص: 73 ] وغيرهما. وهذا حق، ولكن ليس هو من باب التأويل، فإن لفظ الوجه ظاهر هنا في الوجهة، على قول هؤلاء. وقد قال تعالى: ولكل وجهة هو موليها [البقرة: 148]. فأخبر أن الوجهة يوليها العبد، أي: يتولاها. أي: يستقبلها، ويقولون: أي وجه تقصد؟ أي: أي وجهة تقصد؟ وفلان قد قصد هذا الوجه، وجاء من هذا الوجه، أي الوجهة والجهة، وهو قد قال: ولله المشرق والمغرب [البقرة: 115]، وهذه هي الجهات، ثم قال: فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115]، أي: تستقبلوا، فإن (ولى) هنا فعل لازم، بمعنى تولى، واستقبل، وإن كان يستعمل –أيضا- متعديا، فقد قرئ: هو موليها و هو مولاها، [ ص: 74 ] وهذا كما يقال: وجه وتوجه، وقدم وتقدم، وبين وتبين، فالمعنى: أينما تستقبلوا فثم وجه الله، أي مكان تستقبلوه فهنالك وجه الله.

والمقصود بهذا الكلام: أن من قال من السلف والأئمة لم يقولوه لأنهم ينفون وجه الله الذي يراه المؤمنون في الآخرة، بل قالوه لأن ذلك ظاهر الخطاب عندهم؛ لأن لفظ الوجه مشهور أنه يقصد به الجهة، والقبلة هي الجهة، وقد أخبر أن وجهه (ثم) أي: في ذلك المكان، وهذا يناسب أن يكون قبلته في ذلك المكان؛ لأن صفته ليست في مكان.

فهذا القول ليس عندنا من باب التأويل، الذي هو مخالفة الظاهر أصلا، وليس المقصود نصر هذا القول، بل بيان توجيهه وأن قائليه من السلف لم يكونوا من نفاة الصفة، ولا ممن يقول: ظاهر الآية ممتنع.

التالي السابق


الخدمات العلمية