الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في منع الزكاة من التشديد

                                                                                                          617 حدثنا هناد بن السري التميمي الكوفي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة قال فرآني مقبلا فقال هم الأخسرون ورب الكعبة يوم القيامة قال فقلت ما لي لعله أنزل في شيء قال قلت من هم فداك أبي وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الأكثرون إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله ثم قال والذي نفسي بيده لا يموت رجل فيدع إبلا أو بقرا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس وفي الباب عن أبي هريرة مثله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعن مانع الصدقة وعن قبيصة بن هلب عن أبيه وجابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود قال أبو عيسى حديث أبي ذر حديث حسن صحيح واسم أبي ذر جندب بن السكن ويقال ابن جنادة حدثنا عبد الله بن منير عن عبيد الله بن موسى عن سفيان الثوري عن حكيم بن الديلم عن الضحاك بن مزاحم قال الأكثرون أصحاب عشرة آلاف قال وعبد الله بن منير مروزي رجل صالح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( أبواب الزكاة ) هي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها . قال ابن العربي في عارضة الأحوذي : تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو ، وتعريفها في الشرع : إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي ، ثم لها ركن وهو الإخلاص . وشرط وهو السبب وهو ملك النصاب الحولي ، وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية ، ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا ، وحصول الثواب في الأخرى ، وحكمة وهي التطهير من الأدناس ، ورفع الدرجة ، واسترقاق الأحرار ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : هو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( عن معرور بن سويد ) ، الأسدي الكوفي ، يكنى بأبي أمية ، ثقة من الثانية عاش مائة وعشرين سنة ( عن أبي ذر ) هو أبو ذر الغفاري الصحابي المشهور -رضي الله عنه- اسمه جندب بن جنادة على الأصح ، وهو من أعلام الصحابة وزهادهم ، أسلم قديما بمكة ، يقال : كان خامسا في الإسلام ، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الخندق ، ثم سكن الربذة إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه . قال الذهبي : كان [ ص: 196 ] يوازي ابن مسعود في العلم ، وكان رزقه أربعمائة دينار ولا يدخر مالا .

                                                                                                          قوله : ( هم الأخسرون ) هم ضمير عن غير مذكور لكن يأتي تفسيره وهو قوله هم الأكثرون إلخ ( ورب الكعبة ) الواو للقسم ( قال : فقلت ) أي في نفسي ( فداك أبي وأمي ) بفتح الفاء ؛ لأنه ماض ، خبر بمعنى الدعاء ، ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال ، أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي ، قاله القاري .

                                                                                                          وقال العراقي : الرواية المشهورة بفتح الفاء والقصر على أنها جملة فعلية ، وروي بكسر الفاء والمد على الجملة الاسمية انتهى ( هم الأكثرون ) ، وفي رواية الشيخين هم الأكثرون أموالا : أي الأخسرون أعمالا هم الأكثرون مالا ( إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ) أي إلا من أشار بيده من بين يديه وعن يمينه وعن شماله قال الطيبي : يقال : قال بيده ؛ أي : أشار ، وقال بيده ؛ أي : أخذ ، وقال برجله ؛ أي : ضرب ، وقال بالماء على يده أي صبه ، وقال بثوبه أي رفعه ( فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله ) أي أعطى في وجوه الخير ، قال في القاموس : الحثي كالرمي ما رفعت به يدك ، وحثوت له : أعطيته يسيرا ( فيدع ) أي يترك ( إبلا وبقرا ) أو للتقسيم ( أعظم ما كانت ) بالنصب حال ، وما مصدرية ( وأسمنه ) أي أسمن ما كانت ( تطؤه بأخفافها ) أي تدوسه بأرجلها ، وهذا راجع للإبل ؛ لأن الخف مخصوص بها كما أن الظلف مخصوص بالبقر والغنم والظباء ، والحافر يختص بالفرس والبغل والحمار ، والقدم للآدمي قاله السيوطي .

                                                                                                          ( وتنطحه ) أي تضربه ، والمشهور في الرواية بكسر الطاء قاله السيوطي ( بقرونها ) راجع للبقر ( كلما نفدت ) روي بكسر الفاء مع الدال المهملة من النفاد ، وبفتحها والذال المعجمة من النفوذ قاله السيوطي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة مثله ) أخرجه البخاري ومسلم ( وعن علي بن أبي طالب قال : لعن مانع الزكاة ) أخرجه سعيد بن [ ص: 197 ] منصور والبيهقي والخطيب في تاريخه وابن النجار ، وفيه محمد بن سعيد البورقي كذاب يضع الحديث ، كذا في شرح سراج أحمد السندي ( وقبيصة بن هلب عن أبيه ) أي هلب الطائي قيل إنه بضم الهاء وإسكان اللام وآخره باء موحدة ، وقيل بفتح الهاء وكسر اللام وتشديد الباء ، قال ابن الجوزي : وهو الصواب كذا في قوت المغتذي ( وجابر بن عبد الله ) أخرجه مسلم ( وعبد الله بن مسعود ) أخرجه ابن ماجه والنسائي بإسناد صحيح وابن خزيمة في صحيحه .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي ذر حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم ( واسم أبي ذر جندب بن السكن ويقال ابن جنادة ) بضم الجيم وخفة النون وإهمال الدال ، قال العراقي : ما صدر به قول مرجوح وجعله ابن حبان وهما ، والصحيح الذي صححه المتقدمون والمتأخرون الثاني .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا عبد الله بن منير ) بنون آخره مهملة مصغرا ، المروزي أبو عبد الرحمن الزاهد الحافظ الجوال ، روى عن النضر بن شميل ووهب بن جرير وخلق ، وعنه البخاري وقال : لم أر مثله والترمذي والنسائي ووثقه ، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة ، وقد ضبط الحافظ في التقريب لفظ منير بضم الميم وكسر النون وكذا ضبطه في الفتح في باب الغسل في المخضب ( عن حكيم بن الديلم ) المدائني صدوق ( عن الضحاك بن مزاحم ) الهلالي مولاهم الخراساني يكنى أبا القاسم عن أبي هريرة وابن عباس وغيرهما ، قال سعيد بن جبير : لم يلق ابن عباس . ووثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ، وقال ابن حبان : في جميع ما روى نظر ، إنما اشتهر بالتفسير . مات سنة خمس ومائة كذا في الخلاصة ، وقال في التقريب : صدوق كثير الإرسال ( قال : الأكثرون أصحاب عشرة آلاف ) قال القاضي أبو بكر بن العربي : يعني درهما ، وإنما جعله حد الكثرة ؛ لأنه قيمة النفس المؤمنة وما دونه في حد القلة وهو فقه بالغ ، وقد روي عن غيره وإني لأستحبه قولا وأصوبه رأيا انتهى كلامه .

                                                                                                          وفي حاشية النسخة الأحمدية هذا التفسير من الضحاك لحديث آخر هو قوله -صلى الله عليه وسلم- : من قرأ ألف آية كتب من المكثرين المقنطرين ، وفسر المكثرون بأصحاب عشرة آلاف درهم ، وأورد الترمذي هذا التفسير هاهنا لمناسبة ضعيفة ، انتهى ما في الحاشية .

                                                                                                          [ ص: 198 ] قلت : لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ وبتفسير الضحاك ، هذا والله تعالى أعلم ، وقد أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : القناطير المقنطرة ، يعني المال الكثير من الذهب والفضة ، ذكره السيوطي في الدر المنثور .




                                                                                                          الخدمات العلمية