الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير، واستفادة الحصر هنا أوضح من استفادته فيما تقدم، أي الذين كذبوه عليه السلام عوقبوا بقولهم: لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لتكذيبهم لا المتبعون له عليه السلام، المصدقون إياه عليه السلام، وبهذا القصر اكتفي عن التصريح بالإنجاء كما وقع في سورة هود من قوله تعالى: ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه إلخ، وفي الكشاف أن في هذا الاستئناف وتكرير الموصول والصلة مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم بقومهم واستعظام لما جرى عليهم. وأنت تعلم أن في استفادة ذلك كله من نفس هذه الآية خفاء، والظاهر أن مجموع الاستئنافين مؤذن به. وبين الطيبي ذلك بأنه تعالى لما رتب العقاب بأخذ الرجفة وتركهم هامدين لا حراك بهم على التكذيب والعناد اتجه لسائل أن يسأل: إلى ماذا صار مآل أمرهم بعد الجثوم؟

                                                                                                                                                                                                                                      فقيل: الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها أي: إنهم استؤصلوا وتلاشت جسومهم، كأن لم يقيموا فيها. ثم سأل: أخصص الدمار بهم أم تعدى إلى غيرهم؟ فقيل: الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين أي اختص بهم الدمار فجعلت الصلة الأولى ذريعة إلى تحقيق الخبر كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك بولغ في الإخبار عن دمار القوم وجيء بتقوى الحكم والتخصيص، وجعلت الصلة الثانية علة لوجود الخبر، وجاء تسفيه الرأي من الرد عليهم بعين ما تلفظوا به في نصح قومهم، والاستهزاء من الإشارة إلى أن ما جعلوه نصيحة صار فضيحة، وانعكس الحال الذي زعموه، ويستفاد عظم الخسران من تعريف الخبر بلام الجنس. وأما استعظام ما جرى فمن قوله سبحانه: ( كأن لم ) إلخ. وكذا من مجموع الكلام، ولا يخفى أن القول بالاستئناف من غير عطف جار على عادة العرب في مثل هذا المقام، فإن عادتهم الاستئناف كذلك في الذم والتوبيخ فيقولون:

                                                                                                                                                                                                                                      أخوك الذي نهب مالنا، أخوك الذي هتك سترنا، أخوك الذي ظلمنا، وجوز أبو البقاء أن يكون الموصول الثاني بدلا من الضمير في ( يغنوا ) ، وأن يكون في محل نصب بإضمار أعني، وأن يكون الأول مبتدأ والخبر الذين كذبوا شعيبا كانوا ، و ( كأن لم يغنوا ) حال من ضمير ( كذبوا ) ، وأن يكون الأول صفة للذين كفروا أو بدلا منه، وعلى الوجهين يكون ( كأن لم ) إلخ حالا، وما اخترناه هو الأولى كما هو ظاهر فليتدبر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية