الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 105 ] فصل

قال الرازي: الوجه "الثالث: نقل الشيخ الغزالي عن أحمد بن حنبل، أنه أقر بالتأويل في ثلاثة من الأحاديث: أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض).

[ ص: 106 ] وثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن).

[ ص: 107 ] وثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم -حاكيا عن الله- (أنا جليس من ذكرني)".

والكلام على هذا من وجوه:

أحدها: أن الذي ذكره الغزالي في كتابه المسمى بـ (إحياء علوم الدين) أنه قال: "سمعت بعض أصحابه يقول: [ ص: 108 ] إنه حسم الباب في التأويل إلا لثلاثة ألفاظ، قوله صلى الله عليه وسلم: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وقوله صلى الله عليه وسلم: (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني [ ص: 109 ] أجد نفس الرحمن من قبل اليمن)".

فقد نقل عن الغزالي خلاف ما ذكر في (الإحياء) فإما أن يكون هو غلط في النقل عن الغزالي، أو الغزالي نقل في كتاب آخر خلاف ما نقل في (الإحياء). وعلى التقديرين فيعلم أن هذا النقل الذي ذكره غير مضبوط.

الثاني: أنا قد تكلمنا على ما ذكره الغزالي في هذا الباب ونحوه، وبينا أن في هؤلاء من القصور في معرفة الكتاب والسنة وحقائق الإيمان ومعرفة السلف وكلامهم ما أوجب ظهور ما يظهر منهم من التناقض، والبدع، وطريق الزنادقة [ ص: 110 ] المنافقين، وفتح باب الإلحاد، والتحريف، فإنهم قليلو المعرفة (بالأحاديث النبوية، والآثار السلفية، ومعاني الكتاب) والسنة إلى الغاية، وهم في المعقولات في غاية الاضطراب، وللغزالي في ذم الكلام والمتكلمين، والفلاسفة، ما يطول [ ص: 111 ] ذكره، وهذه الأمور [أكبر] من عقول عامة الخلائق، وغاية المتكلم فيها أن يتكلم بمبلغ علمه، ومقدار علمه وسمعه، ونهاية اجتهاده ووسعه، كما يفعله أبو حامد ونحوه، إذا اجتهدوا وقصدوا الحق مع سعة مرادهم وتفننهم في علوم كثيرة.

وهذا الكلام الذي نقله عن أبي حامد، ذكره لما تكلم [عن مراتب] التأويلات واختلاف الناس فيها، وقد تكلمنا على ما ذكره في ذلك في (الأجوبة المصرية) وغيرها. وسنتكلم [ ص: 112 ] -إن شاء الله تعالى- على ما ذكره الغزالي وغيره إذا تكلمنا على ما ذكره الرازي في الفرق بين ما يؤول وما لا يؤول، فإنهم جميعهم مضطربون في الأصل، كما أنهم مقصرون في معرفة السلف والأئمة، وما دل عليه الكتاب والسنة.

لكن المقصود هنا ذكر ما نقله عن أحمد، فإنه قال -في أثناء كلامه في التأويلات-: "وفي هذا المقام لأرباب المقامات إسراف واقتصاد، فمن مسرف في [دفع] الظواهر انتهى إلى تغيير جميع الظواهر [أو أكثرها] حتى حملوا قوله تعالى: وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم [يس: 65]، [ ص: 113 ] وقوله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء [فصلت: 21]، وكذلك جميع المخاطبات التي تجري من منكر ونكير، والميزان والحساب، ومناظرات أهل النار وأهل الجنة، وفي قولهم أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله: زعموا أن كل ذلك لسان الحال".

التالي السابق


الخدمات العلمية