الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم بدلنا عطف على أخذنا داخل في حكمه مكان السيئة التي أصابتهم لما تقدم الحسنة وهي السعة والسلامة، ونصب (مكان) كما قيل على الظرفية و (بدل) متضمن معنى أعطى الناصب لمفعولين وهما هنا الضمير المحذوف والحسنة أي: أعطيناهم الحسنة في مكان السيئة، ومعنى كونها في مكانها أنها بدل منها. وقال بعض المحققين: الأظهر أن مكان مفعول به لبدلنا لا ظرف، والمعنى بدلنا مكان الحال السيئة الحال الحسنة، فالحسنة هي المأخوذة الحاصلة في مكان السيئة المتروكة، والمتروك هو الذي تصحبه الباء في نحو: بدلت زيدا بعمرو. حتى عفوا أي: كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، وبذلك فسره ابن عباس وغيره من عفا النبات وعفا الشحم والوبر إذا كثرت، ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (أحفوا الشوارب واعفوا اللحى).

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الحطيئة:


                                                                                                                                                                                                                                      بمستأسد القريان عاف نباته تساقطني والرحل من صوت هدهد



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      ولكنا نعض السيف منها بأسوق     عافيات الشحم كوم



                                                                                                                                                                                                                                      وتفسير أبي مسلم له بالإعراض عن الشكر ليس بيانا للمعنى اللغوي كما لا يخفى، (وحتى) هذه الداخلة على الماضي ابتدائية لا غائية عند الجمهور، ولا محل للجملة بعدها كما نقل ذلك الجلال السيوطي في شرح جمع الجوامع، له عن بعض مشايخه، وأما زعم ابن مالك أنها جارة غائية وأن مضمرة بعدها على تأويل المصدر فغلطه فيه أبو حيان وتبعه ابن هشام فقال: لا أعرف له في ذلك سلفا، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة، ولا يشكل عليه ولا على من يقول: إن معنى الغاية لازم لحتى ولو كانت ابتدائية أن الماضي لمضيه لا يصلح أن يكون غاية لما قبل لتأخر الغاية عن ذي الغاية؛ لأن الفعل وإن كان ماضيا لكنه بالنسبة إلى ما صار غاية له مستقبل فافهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 10 ] وقالوا غير واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاء منه سبحانه قد مس آباءنا كما مسنا.

                                                                                                                                                                                                                                      الضراء والسراء وما ذلك إلا من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ويداولهما بينهم من غير أن يكون هناك داعية إليهما أو تبعة تترتب عليهما وليس هذا كقول القائل:


                                                                                                                                                                                                                                      ثمانية عمت بأسبابها الورى ...     فكل امرئ لا بد يلقى الثمانية
                                                                                                                                                                                                                                      سرور وحزن واجتماع وفرقة ...     وعسر ويسر ثم سقم وعافية


                                                                                                                                                                                                                                      كما لا يخفى، ولعل تأخير السراء للإشعار بأنها تعقب الضراء، فلا ضير فيها، فأخذناهم عطف على مجموع عفوا وقالوا أو على قالوا لأنه المسبب عنه، أي: فأخذناهم إثر ذلك بغتة أي فجأة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم لا يشعرون بشيء من ذلك ولا يخطرون ببالهم شيئا من المكاره، والجملة حال مؤكدة لمعنى البغتة، وهذا أشد أنواع الأخذ كما قيل: وأنكأ شيء يفجؤك البغت، وقيل: المراد بعدم الشعور عدم تصديقهم بأخبار الرسل عليهم السلام بذلك لا خلو أذهانهم عنه ولا عن وقته لقوله تعالى: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ولا يخفى ما فيه من الغفلة عن معنى الغفلة وعن محل الجملة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية