الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان العذاب الذي وقع التأذن بسببه [ممتدا] إلى يوم القيامة، [ ص: 146 ] تسبب عنه قوله: فخلف أي: نشأ، ولما كانوا غير مستغرقين لزمان البعد، أتى بالجار فقال: من بعدهم خلف أي: قوم هم أسوأ حالا منهم ورثوا الكتاب أي: الذي هو نعمة، وهو التوراة، فكان لهم نقمة لشهادته عليهم بقبح أفعالهم؛ لأنه بقي في أيديهم بعد أسلافهم يقرؤونه ولا يعملون بما فيه; قال ابن فارس : والخلف ما جاء من بعد، أي: سواء كان محركا أو ساكنا، وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين: ويقال:; خلف سوء - أي: بالسكون - وخلف صدق، وقال الزبيدي في مختصر العين: والخلف: خلف السوء بعد أبيه، والخلف: الصالح، وقال ابن القطاع في الأفعال: وخلف خلف سوء: [صاروا بعد قوم صالحين، وخلف سوء، قال الأخفش : هما سواء، أي: بالسكون]، منهم من يسكن ومنهم من يحرك فيهما جميعا، ومنهم من يقول: خلف صدق - أي: بالتحريك - وخلف سوء - أي: بالسكون [يريد بذلك الفرق بينهما، وكل إذا أضاف، يعني فإذا لم يضف كان السكون] للفساد، والتحريك للصلاح; وقال في القاموس: خلف نقيض قدام، والقرن بعد القرن، ومنه: [هؤلاء] خلف سوء، والرديء من القول، وبالتحريك الولد الصالح، فإذا كان فاسدا أسكنت اللام، وربما استعمل كل منهما مكان الآخر، يقال: هو خلف صدق من أبيه - إذا قام مقامه، [ ص: 147 ] أو الخلف بالسكون وبالتحريك سواء، الليث : خلف للشرار خاصة، وبالتحريك ضده. والمادة ترجع إلى الخلف الذي هو نقيض قدام، كما بينت ذلك في فن المضطرب من حاشيتي على شرح ألفية العراقي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المظنون بمن يرث الكتاب الخير، فكان كأنه قيل: ما فعلوه من الخير فيما ورثوه؟ قال مستأنفا: يأخذون أو يجددون الأخذ دائما، وحقر ما أخذوه بالإعلام بأنه مما يعرض ولا يثبت بل هو زائل فقال: عرض وزاده حقارة بإشارة الحاضر فقال: هذا وصرح بالمراد بقوله: الأدنى أي: من الوجودين، وهو الدنيا ويقولون أي: دائما من غير توبة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان النافع الغفران من غير نظر إلى معين، بنوا للمفعول قولهم: سيغفر لنا أي: من غير شك، فأقدموا على السوء وقطعوا بوقوع ما يبعد [وقوعه في المستقبل حكما على من يحكم ولا يحكم عليه، وصرح بما أفهمه ذلك من] إصرارهم معجبا منهم في جزمهم بالمغفرة مع ذلك بقوله: وإن أي: والحال أنه إن يأتهم عرض مثله أي: في الدناءة والخسة - والحرمة كالرشى يأخذوه

                                                                                                                                                                                                                                      [ولما كان هذا عظيما، أنكر عليهم مشددا] للنكير بقوله [ ص: 148 ] مستأنفا: ألم يؤخذ عليهم بناه للمفعول إشارة إلى أن العهد يجب الوفاء به على كل حال، ثم عظمه بقوله: ميثاق الكتاب أي: الميثاق المؤكد [في التوراة] أن لا يقولوا [أي: قولا من الأقوال وإن قل] على الله أي: الذي له الكمال والعظمة إلا الحق أي: المعلوم ثباته، وليس من المعلوم ثباته إثبات المغفرة على القطع بغير توبة، بل ذلك خروج عن ميثاق الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ربما وقع في الوهم أنه أخذ على أسلافهم ولم يعمل هؤلاء به، نفى ذلك بقوله: ودرسوا ما فيه أي: ما في ذلك الميثاق بتكرير القراءة للحفظ والدار الآخرة أي: فعلوا ما تقدم من مجانبة التقوى والحال أن الآخرة خير أي: مما يأخذون للذين يتقون أي: وهم يعلمون ذلك بإخبار كتابهم، ولذلك أنكر عليهم بقوله: أفلا تعقلون أي: حين أخذوا ما يشقيهم ويفنى بدلا مما يسعدهم ويبقى، وعلى قراءة نافع وابن عامر وحفص بالخطاب يكون المراد الإعلام بتناهي الغضب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية