الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 343 ] 2 - باب الرجل يصبح جنبا في شهر رمضان

من أدركه الصبح وهو جنب - اختلاف أهل العلم - رأي عامة أهل العلم - من يريد الصيام وهو جنب - من قال بهذا القول - الخطابي يعقب - ترجيح للشافعي - لماذا حديث أم سلمة وعائشة ؟

أخبرنا أبو مسلم : محمد بن محمد بن الجنيد ، أخبرنا الحسن بن أحمد القاري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا عيينة ، عن عمرو بن دينار ، وسمع يحيى بن جعدة ، عن عبد الله بن عمرو القاري ، سمع أبا هريرة يقول : لا ورب هذا البيت ما أنا قلته : من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصومن ؛ محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله ، ثم قال : حدثنيه الفضل بن العباس .

[ ص: 344 ] اختلف أهل العلم في هذا الباب ( فذهب بعضهم ) إلى إبطال صومه إذا أصبح جنبا ؛ عملا بظاهر هذا الخبر ، وقد اختلف فيه عن أبي هريرة ، فأشهر قوليه عند أهل العلم أنه قال : لا صوم له ، والقول الثاني قال : إذا علم بجنابته ثم نام حتى يصبح فهو مفطر ، وإن لم يعلم حتى يصبح فهو صائم .

وروي نحو ذلك عن طاوس ، وعروة بن الزبير .

وذهب عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين من بعدهم إلى القول بصحة صومه ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث .

أخبرنا معمر بن الفاخر ، أخبرنا الحسن بن أحمد القاري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو سعيد ، حدثنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن عبد ربه بن سعيد بن قيس ، وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن عائشة وأم سلمة ، [ ص: 345 ] قالتا : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصبح جنبا من جماع من غير احتلام في رمضان ، ثم يصوم ذلك اليوم .

رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، وأخرجه من حديث عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن عبد الله بن كعب الحميري : أن أبا بكر بن عبد الرحمن حدثه عن أم سلمة .

أخبرني عبد الصمد بن الحسين بن عبد الغفار ، أخبرنا زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن ، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان ، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، أخبرنا مسلم بن خالد ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي يونس مولى عائشة ، أن عائشة قالت : سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل وأنا قائمة من وراء الباب أسمع ، فقال : إن الصلاة تدركني وأنا جنب وأنا أريد الصيام . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب وأنا أريد الصيام ، ثم أغتسل وأصوم . فقال الرجل : لست مثلك ؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله ، وأعلمكم بحدود الله

هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في كتابه من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن .

وممن روينا عنه نحو هذا القول علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وأبو ذر ، وأبو الدرداء ، وابن عباس .

وبه قال ابن عمر ، وعائشة .

[ ص: 346 ] وهو مذهب مالك ، والشافعي ، وعامة أهل الحجاز ، والثوري ، وأبي حنيفة ، وعامة أهل الكوفة ، سوى النخعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأهل البصرة ، سوى الحسن ، وأهل الشام .

وقد اختلفت الرواية عن الحسن في ذلك ، وقال النخعي ؛ إن كان الصوم فرضا أفطر ، وإن كان تطوعا لم يفطر .

قرئ على أبي المحاسن محمد بن عبد الخالق الجوهري ، وأنا أسمع ، أخبرك أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل في كتابه ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد البلخي ، حدثنا أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي ، قال : فأحسن ما سمعت في تأويل ما رواه أبو هريرة في هذا : أن يكون ذلك محمولا على النسخ ، وذلك أن الجماع كان في أول الإسلام محرما على الصائم في الليل بعد النوم ، كالطعام والشراب ، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر ، جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم ذلك اليوم ؛ لارتفاع الحظر المتقدم ، فيكون تأويل قوله : من أصبح فلا يصوم أي : من جامع في الصوم بعد النوم فلا يجزيه صوم غده ؛ لأنه لا يصبح جنبا إلا وله أن يطأ قبل الفجر بطرفة عين ، وكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل بن العباس على الأمر الأول ولم يعلم بالنسخ ، فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة صار إليه .

وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال : رجع أبو هريرة عن فتياه فيمن أصبح جنبا أنه لا يصوم .

وأما الشافعي - رحمه الله - فقد سلك في هذا الباب مسلك الترجيح ، وقال : فأخذنا بحديث عائشة ، وأم سلمة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - دون ما رواه أبو هريرة ، عن رجل ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعان :

[ ص: 347 ] منها : أنهما زوجتاه ، وزوجتاه أعلم بهذا من رجل ؛ إنما يعرفه سماعا أو خبرا .

ومنها أن عائشة مقدمة في الحفظ ، وأم سلمة حافظة ، ورواية اثنين أكثر من رواية واحد .

ومنها : أن الذي روتاه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المعروف في المعقول والأشبه بالسنن ، وبسط الكلام في شرح هذا ومعناه : أن الغسل شيء وجب بالجماع وليس فعله شيء محرم على صائم ، وقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ويتم صومه ؛ لأنه لم يجامع في نهار وجعله شبيها بالمحرم وينهى عن الطيب ، ثم يتطيب حلالا ، ثم يحرم وعليه لونه وريحه ؛ لأن نفس التطيب كان وهو مباح .

التالي السابق


الخدمات العلمية