الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وما وجدنا لأكثرهم أي: أكثر الأمم المذكورين، ووجد متعدية لواحد واللام متعلقة بها كما في قولك: ما وجدت لزيد مالا. أي: ما صادفت له مالا، ولا لقيته، أو بمحذوف كما قال أبو البقاء وقع حالا من قوله تعالى: من عهد لأنه في الأصل صفة للنكرة، فلما قدمت عليها انتصبت حالا ومن مزيدة للاستغراق وجوز أن تكون وجد علمية والأول أظهر، والكلام على تقدير مضاف أي: ما وجدنا وفاء عهد كائن لأكثرهم، فإنهم نقضوا ما عاهدوا عليه الله تعالى عند مساس البأساء والضراء قائلين: لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين، وإلى هذا ذهب قتادة، وتخصيص [ ص: 17 ] هذا الشأن بأكثرهم ليس لأن بعضهم كانوا يوفون بالعهد، بل لأن بعضهم كانوا لا يعهدون ولا يوفون، وقيل: المراد بالعهد ما وقع يوم أخذ الميثاق، وروي ذلك عن أبي بن كعب، وأبي العالية، وقيل: المراد به ما عهد الله تعالى إليهم من الإيمان والتقوى بنصب الدلائل والحجج وإنزال الآيات، وفسره ابن مسعود بالإيمان كما في قوله تعالى: اتخذ عند الرحمن عهدا وقيل: هو بمعنى البقاء. أي: ما وجدنا لهم بقاء على فطرتهم، والمراد بالأكثر في الكل الكل، وذهب كثير من الناس إلى أن ضمير أكثرهم للناس وهو معلوم لشهرته، والجملة إلى فاسقين اعتراض لأنه لا اختصاص له بما قبله، لكن لعمومه يؤكده. وعلى الأول تتميم على ما نص عليه الطيبي وغيره، وإن وجدنا أكثرهم أي: أكثر الأمم أو أكثر الناس، أي: علمناهم؛ كقولك: وجدت زيدا فاضلا، وبين وجد هذه ووجد السابق على المعنى الأول فيه الجناس التام المماثل، وإن مخففة من الثقيلة، وضمير الشأن محذوف، ولا عمل لها فيه؛ لأنها ملغاة على المشهور، وتعين تفسير وجد بعلم الناصبة للمبتدأ والخبر لدخولها عليهما، فقد صرح الجمهور أنها لا تدخل إلا على المبتدأ أو على الأفعال الناسخة، وخالف في ذلك الأخفش فلا يرى ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز دخولها على غيرهما، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية، واللام في قوله سبحانه: لفاسقين اللام الفارقة، وعند الكوفيين أن إن نافية، واللام بمعنى إلا، أي: ما وجدنا أكثرهم إلا خارجين عن الطاعة، ويدخل في ذلك نقض العهد، وذكر الطيبي أنه إذا فسر الفاسقون بالناكثين يكون في الآية الطرد والعكس، وهو أن يؤتى بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس، وهو كقوله تعالى: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم إلى قوله سبحانه: ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن فمنطوق الأمر بالاستئذان في الأوقات الثلاثة خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس، وكذا قوله تعالى: لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهذا النوع من الإطناب يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية