الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فغلبوا أي فرعون وقومه. هنالك أي: في ذلك المجمع العظيم. وانقلبوا صاغرين أي: صاروا أذلاء أو رجعوا إلى المدينة كذلك، فالانقلاب إما مجاز عن الصيرورة والمناسبة ظاهرة أو بمعنى الرجوع، فصاغرين حال، ورجح الأول بقوله سبحانه: وألقي السحرة ساجدين لأن ذلك كان بمحضر من فرعون قطعا، وجوز رجوع ضمير غلبوا وانقلبوا على الاحتمال الأول إلى السحرة أيضا، وتعقب بأنهم لا ذلة لهم، والحمل على الخوف من فرعون أو على ما قبل الإيمان لا يخفى ما فيه، والمراد من ( ألقي السحرة ) إلخ أنهم خروا ساجدين، وعبر بذلك دونه تنبيها على أن الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك فكأن أحدا دفعهم وألقاهم، أو أن الله تعالى ألهمهم ذلك وحملهم عليه، فالملقي هو الله تعالى بإلهامه لهم حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى عليه السلام، وينقلب الأمر عليه، ويحتمل أن يكون الكلام جاريا مجرى التمثيل مبالغة في سرعة خرورهم وشدته، وإليه يشير كلام الأخفش، وجوز أن يكون التعبير بذلك مشاكلة لما معه من الإلقاء إلا أنه دون ما تقدم، يروى أن اجتماع القوم كان بالإسكندرية، وأنه بلغ ذنب الحية من وراء البحر، وأنها فتحت فاها ثمانين ذراعا فابتلعت ما صنعوا واحدا بعد واحد، وقصدت الناس ففزعوا ووقع الزحام فمات منهم لذلك خمسة وعشرون ألفا، ثم أخذها موسى عليه السلام فعادت في يده عصا كما كانت، وأعدم الله تعالى بقدرته تلك الأجرام العظام، ويحتمل أنه سبحانه فرقها أجزاء لطيفة، فلما رأى السحرة ذلك عرفوا أنه من أمر السماء وليس من السحر في شيء فعند ذلك: خروا سجدا، والمتبادر من السجود حقيقته، ولا يبعد أنهم كانوا عالمين بكيفيته، وقيل: إن موسى وهارون عليهما السلام سجدا شكرا لله تعالى على ظهور الحق فاقتدوا بهما وسجدوا معهما، وحمل السجود على الخضوع، أي أنهم خضعوا لما رأوا ما رأوا خلاف الظاهر الذي نطقت به الآثار من غير داع إلى ارتكابه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية