الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تبين من هذا الاستفهام الإنكاري المعجب من حالهم في ضلالهم في أسلوب الغيبة أن من أشركوه ليس فيه نوع قابلية لما أهلوه؛ فإن المعبود يجب أن يكون قادرا، ومن كان عاجزا نوع عجز كان مربوبا، وكان للتنبيه بالخطاب ما ليس له بالغيبة; أتبع ذلك في أسلوبه تعجيبا آخر منهم أشد من الأول، وذلك أن معبوداتهم التي أشركوا بها كما أنها لا تفعل شيئا من تلقاء أنفسها، لا تفعله عند دعاء الداعي ولا تهتدي إليه فقال تعالى: وإن تدعوهم أي: وإن تدعوا أيها المشركون أصنامكم دعاء مستمرا متجددا إلى الهدى أي: إلى الذي يدل الداعي إليه قطعا، على أن المتخلف عنه سيئ المزاج، محتاج إلى العلاج، لكونه تخلف عما لا يتخلف عنه من له نوع صلاح لكونه أشرف الأشياء، فالمتخلف عنه راض لنفسه بالدون لا يتبعوكم أي: في ذلك الهدى الذي دعوتموهم إليه ولو بالغتم في الاستتباع، ولعله عبر بصيغة الافتعال إشارة إلى أنها لا يتصور منها قصد التبع فضلا عن إيجاده، ثم بين أن ذلك ليس بأمر عارض، بل هو مستمر دائم بقوله مستأنفا تأكيدا للمعنى: سواء عليكم [ ص: 194 ] ولما كان السواء لا يكون إلا بين أمرين، تشوف السامع إليهما فقال: أدعوتموهم أي: وجد منكم ذلك الدعاء الذي أشير إلى استمراره، وعبر بالاسمية إشارة إلى أنهم لا يدعونهم في وقت الشدائد، بل يدعون الله فقال: أم أنتم صامتون أي: عن ذلك على الدوام على عادتكم في الإعراض عن دعائهم في أوقات الملمات، فالذين يدعون معتقديهم في وقت الضرورات أقبح حالا في ذلك من المشركين، [ويجوز أن تكون الآية من الاحتباك، فيكون نظمها: أدعوتموهم مرة أو أنتم داعوهم دائما أم صمتم عن دعائهم في وقت ما أم أنتم صامتون دائما عن دعائهم، حاكم في كل هذه الأجوبة سواء في عدم الإجابة، لا اختلاف فيه بوجه، دل بالفعل أولا على حذف مثله ثانيا، وبالاسم ثانيا على حذف مثله أولا].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية