الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم علل الأمر بالمراقبة الدالة على أعظم الخضوع بأنها وظيفة المقربين فقال: إن الذين وزاد ترغيبا في ذلك بقوله: عند ربك أي: المحسن إليك بتقريبك من جنابه وجعلك أكرم أحبابه، وهم الملائكة الكرام أولو العصمة والقرب دنو مكانة لا مكان لا يستكبرون أي: لا يوجدون ولا يطلبون الكبر عن عبادته أي: الخضوع له والتلبس بأنحاء التذلل مع مزيد قربهم وغاية طهارتهم وحبهم ويسبحونه أي: ينزهونه عن كل ما لا يليق مع خلوصهم عن دواعي الشهوات والحظوظ.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا يرجع إلى المعارف، وقدمه دلالة على أنه الأصل في العبادة أعمال القلوب، أردفه بقوله: وله أي: وحده يسجدون أي: يخضعون بإثباتهم له كل كمال، وبالمباشرة لمحاسن الأعمال، وقد تضمنت الآية الإخبار عن الملائكة الأبرار بثلاثة أخبار: عدم الاستكبار الذي هو أجل أنواع العبادة؛ إذ هو الحامل على الطاعة كما أن ضده حامل على المعصية، والتسبيح الذي هو التنزيه عن كل ما لا يليق، وتخصيصه بالسجود، ولما كانت العبادة ناشئة عن انتفاء الاستكبار، وكانت على قسمين: قلبية وجسمانية، أشار إلى القلبية بالتنزيه، وإلى الجسمانية بالسجود، وهو الحال الذي يكون العبد به عند ربه كالملائكة قربا وزلفى [ ص: 213 ] "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" نبه عليه أبو حيان على أن العبادتين مرجعهما القلب، وإحداهما مدلول عليها بالقول والأخرى بالفعل، وقد رجع آخر السورة في الأمر باتباع القرآن إلى أولها أحسن رجوع، ولوصف المقربين بعدم الاستكبار والمواظبة على وظائف الخضوع إلى وصف إبليس بعصيان أمر الله في السجود لآدم عليه السلام على طريق الاستكبار أي التفات، بل شرع في رد المقطع على المطلع حين أتم قصص الأنبياء، فقوله: ولقد ذرأنا هو قوله: والذي خبث لا يخرج إلا نكدا يتضح لك ذلك إذا راجعت ما قدمته في المراد منها ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها هو-: ادعوا ربكم تضرعا وخفية و وممن خلقنا أمة يهدون بالحق - هو: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم هو: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون و يسألونك عن الساعة هو: كما بدأكم تعودون و ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين و: هو الذي خلقكم من نفس واحدة ولقد خلقناكم ثم صورناكم إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي - إلى آخرها بعد التنفير من الأنداد - هو: كتاب أنـزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه - إلى قوله: ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون فسبحان من هذا كلامه، وتعالى حجابه وعز مرامه، وعلى من أنزل عليه صلاته وسلامه، وتحيته وإكرامه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية