الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السابع: وهو: أن العقل لا يكون دليلا مستقلا في تفاصيل الأمور الإلهية واليوم الآخر، فلا أقبل منه ما يدل عليه إن لم يصدقه الشرع ويوافقه، فإن الشرع [ ص: 188 ] قول المعصوم الذي لا يخطئ ولا يكذب، وخبر الصادق الذي لا يقول إلا حقا، وأما آراء الرجال فكثيرة التهافت والتناقض، فأنا لا أثق برأيي وعقلي في هذه المطالب العالية الإلهية، ولا بخبر هؤلاء المختلفين المتناقضين الذين كل منهم يقول بعقله ما يعلم العقلاء أنه باطل، فما من هؤلاء أحد إلا وقد علمت أنه يقول بعقله ما يعلم أنه باطل، بخلاف الرسل، فإنهم معصومون، فأنا لا أقبل قول هؤلاء إن لم يزك قولهم ذلك المعصوم؛ خبر الصادق المصدوق.

ومعلوم أن هذا الكلام أولى بالصواب، وأليق بأولي الألباب، من معارضة أخبار الرسول، الذي علموا صدقه وأنه لا يقول إلا حقا، بما يعرض لهم من الآراء والمعقولات، التي هي في الغالب جهليات وضلالات.

فإنا في هذا المقام نتكلم معهم بطريق التنزل إليهم، كما نتنزل إلى اليهودي والنصراني في مناظرته، وإن كنا عالمين ببطلان ما يقوله، اتباعا لقوله تعالى: وجادلهم بالتي هي أحسن [النحل: 125] ، وقوله: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [العنكبوت: 46] .

وإلا فعلمنا ببطلان ما يعارضون به القرآن والرسول، ويصدون به أهل الإيمان عن سواء السبيل ـ وإن جعلوه من المعقول بالبرهان ـ أعظم من أن يبسط في هذا المكان.

وقد تبين بذلك أنه لا يمكن أن يكون تصديق الرسول فيما أخبر به معلقا بشرط، ولا موقوفا على انتفاء مانع، بل لا بد من تصديقه في كل ما أخبر به [ ص: 189 ] تصديقا جازما، كما في أصل الإيمان به، فلو قال الرجل: أنا أؤمن به إن أذن لي أبي أو شيخي، أو: إلا أن ينهاني أبي أو شيخي؛ لم يكن مؤمنا به بالاتفاق، وكذلك من قال: أؤمن به إن ظهر لي صدقه، لم يكن بعد قد آمن به، ولو قال: أؤمن به إلا أن يظهر لي كذبه، لم يكن مؤمنا.

وحينئذ فلا بد من الجزم بأنه يمتنع أن يعارض خبره دليل قطعي: لا سمعي ولا عقلي، وأن ما يظنه الناس مخالفا له إما أن يكون باطلا، وإما أن يكون مخالفا، وأما تقدير قول مخالف لقوله وتقديمه عليه: فهذا فاسد في العقل، كما هو كفر في الشرع.

ولهذا كان من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنه يجب على الخلق الإيمان بالرسول إيمانا مطلقا جازما عاما: بتصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أوجب وأمر، وأن كل ما عارض ذلك فهو باطل، وأن من قال: يجب تصديق ما أدركته بعقلي، ورد ما جاء به الرسول لرأيي وعقلي، وتقديم عقلي على ما أخبر به الرسول، مع تصديقي بأن الرسول صادق فيما أخبر به، فهو متناقض، فاسد العقل، ملحد في الشرع.

التالي السابق


الخدمات العلمية