الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر موسى عليه السلام

كان بين موسى وإبراهيم ألف سنة ، وبين إبراهيم ونوح ألف سنة ، وبين نوح وآدم ألف سنة .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا قبيصة بن عقبة ، أخبرنا سفيان بن سعد ، عن أبيه ، عن عكرمة ، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام .

قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر ، عن غير واحد من أهل العلم ، قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، القرن مائة سنة ، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون ، والقرن مائة سنة ، وبين إبراهيم وموسى عشرة قرون ، والقرن مائة سنة .

وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، كذلك قال هشام بن محمد ، عن أبيه .

وقال ابن إسحاق: موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي .

ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي: "ناهب" بالنون والباء .

واسم أم موسى يوخابذ . [ ص: 332 ]

وكان الكهان قد قالوا لفرعون -واسمه الوليد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن الهلواش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق .

وكان فرعون يوسف لا يؤذي بني إسرائيل بل يحسن إليهم ، فلما مات ولي بعده فرعون من فراعنتهم فلم يؤذ بني إسرائيل ، ثم ملك فرعون موسى ، وهو الرابع من الفراعنة ، وكان أخبثهم ، وعاش ثلاثمائة سنة ، واستعبد بني إسرائيل وعذبهم ، [وصنفهم في أعماله] ، فصنف يبنون له ، وقوم يحرثون له ، ومن لا عمل له فعليه الجزية .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم إجازة ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ، حدثنا أبو بكر المروزي ، قال: حدثنا أبو عبد الله المروزي ، حدثنا محمد بن عبد ، حدثنا معمر بن بشر ، قال: سمعت عبد الله بن المبارك ، يقول: كان فرعون عطارا ، وكان من أهل أصبهان فأفلس وركبه دين ، فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعه أرض وتضعه أخرى حتى دخل مصر ، ورأى عند باب المدينة وقر بطيخ بدرهم ، وفي المدينة بطيخة بدرهم .

قال فرعون: قد صرت إلى موضع أقضي ديني وأستغني فاشترى وقرا بدرهم .

ومضى ليدخله المدينة فتناول كل إنسان بطيخة حتى بقي معه واحدة وباعها بدرهم ، فضجر ، فقالوا له: هكذا سنتنا ، فقال: أما ها هنا أحد يعدل أو نصير؟ فقالوا: لا ها هنا ملك ، قد خلا بلذاته ، وسلط وزيره على الناس ليس ينظر في شيء ، فبسط لبدا على المقابر ، فجعل يأخذ من كل جنازة أربعة دراهم ، فصبر بذلك ما شاء الله حتى ماتت بنت الملك ، فمروا بها عليه ، فقال: هاتوا أربعة دراهم ، فقالوا: هذه بنت الملك ، فقال: هاتوا ثمانية ، فما زال وزالوا يتنازعون حتى أضعف عليهم مرات ، فلما رجعوا قالوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كذا وكذا ، قال: ومن عامل الموتى ، فوصفوا له .

[ ص: 333 ] فبعث إلى وزيره ، فدعاه فقال: أنت استعملت هذا؟ قال: لا ، فدعاه ، فقال: من استعملك ، فقص عليه القصة ، وأخبره بأمر البطيخ وأنهم قالوا له: إنه ليس ها هنا أحد يعدل ، فلما رأيت ذلك صنعت ما ترى لينتهي إليك ، فتغير وتنتبه لملكك .

قال: فمذ كم أنت على حالك ، فقال: سنين كثيرة حتى صرت إلى الأموال الكثيرة ، فأمر بوزيره فضربت عنقه ، واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فيها طعم العيش؛ لما كانوا فيه قبل ، يقضي [بالحق ولو على نفسه .

ثم] إن الملك مات ، فقالوا: من نستخلف؟ فاجتمع رأيهم فقالوا: لا نستعمل غير هذا الذي أذاقنا طعم العيش ، فملكوه على أنفسهم ، فلم يزل عليهم يموت قرن ويخلفهم آخرون ، وتراخى به السن وطال ملكه حتى ادعى ما علمتم .

قال علماء السير: قالت الكهنة لفرعون: يولد مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك على يده ، فأمر بذبح أبنائهم ، ثم اشتكت القبط إلى فرعون وقالت: إن دمت على الذبح فلم يبق من بني إسرائيل من يخدمنا ، فصار يذبح سنة ويترك سنة .

فولد هارون في السنة التي لا يذبح فيها ، وولد موسى بعده بسنة .

وقال قوم: بينهما ثلاث سنين .

قال وهب: بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى بموسى لم يتبين حملها ولم تعلم بولادتها إلا أخته مريم ، فكتمته ثلاثة أشهر .

فلما ولد موسى دخل الطلب إليها فرمته في التنور فسلم ، ثم خافت عليه ، فصنعت له تابوتا وألقته في البحر فحمله الماء إلى أن ألقاه بين يدي فرعون .

فلما فتح التابوت فنظر إليه ، قال: عبراني من الأعداء ، كيف أخطأه الذبح؟

فقالت آسية: هذا أكبر من ابن سنة ، وإنما أمرت بذبح أولاد هذه السنة ، فدعه يكون قرة عين لي ولك .

[ ص: 334 ]

وكان فرعون لا يولد له إلا البنات ، فتركه وأحبه .

ولما رمته أمه في اليم بكت وجزعت ، فربط الله على قلبها فسكنت وكانت تتوكف الأخبار ، حتى سمعت أن فرعون أخذ صبيا في تابوت فعرفت القصة ، فقالت لأخته - واسمها مريم ، وكان له أختان: مريم وكلثوم-: قصيه فانظري ماذا يفعلون به .

فدخلت أخته على آسية مع النساء ، وقد عرضت عليه المرضعات ، فلم يقبل ثديا ، فقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم؟ قالوا: نعم ، من هم؟ قالت: حنة امرأة عمران ، فبعثوا إليها ، فأخذ ثديها فشرب ونام .

فلما انتهى رضاعه ردته إلى فرعون ، فاتخذه يوما في حجره فمد بلحيته ، فقال: علي بالذابح ، فقالت آسية: إنما هو صبي لا يعقل . وأخرجت له ياقوتا وجمرا فوضع يده على جمرة فطرحها في فيه فأحرقت لسانه ، فذلك قوله: واحلل عقدة من لساني [20: 27] .

وكبر موسى فكان يركب مراكب فرعون ، ويلبس مثل ما يلبس ، وكان يدعى موسى بن فرعون .

وإن فرعون ركب يوما وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى ركب في أثره ، فوجد في المدينة رجلين يقتتلان هذا من شيعته [28: 15] أي: من بني إسرائيل وهذا من عدوه [28: 15] يعني القبط . فاستغاثه الإسرائيلي على القبطي ، فوكزه موسى فمات .

فندم موسى على قتله ، وأصبح خائفا أن يؤخذ [به] .

فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي: يستغيثه على آخر . وكان القبط قد أخبروا فرعون بالقتل ، فقال: إن عرفتم قاتله فأخبروني ، فلم يعرفوه ، فلما أراد موسى أن ينصر الإسرائيلي في هذا اليوم الثاني ظن الإسرائيلي أنه يقصده بالأذى ، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس [28: 19] .

[ ص: 335 ]

فعلم الناس أنه هو القاتل ، فطلبوه فخرج خائفا فهداه الله إلى مدين .

قال سعيد بن جبير: خرج إلى مدين وبينه وبينها مسيرة ثمان ، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر فخرج حافيا .

قال السدي: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان [28: 23] أي: تحبسان غنمهما ، فسألهما: ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير [28: 23] فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة على البئر ، كان يجتمع عليها نفر حتى يرفعوها ، فسقى لهما ورجعتا ، وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض ، ثم تولى موسى إلى ظل شجرة ، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير [28: 24] .

قال ابن عباس: ورد ماء مدين وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه [من الهزال] .

قال السدي: فلما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما ، فأخبرتاه خبر موسى ، فأرسل إليه إحداهما فأتته تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك [28: 25] .

فقام معها فمشت بين يديه ، [فضربتها الرياح فنظر إلى عجيزتها] ، فقال: امشي خلفي ودليني الطريق .

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، أخبرنا علي بن محمد العلاف ، أخبرنا عبد الملك بن عمر بن بشران ، أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان ، حدثنا عباس [ ص: 336 ] الدوري ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أن موسى -عليه السلام- لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ، فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ، فلا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال: ما خطبكما؟ فحدثتاه ، فأتى الحجر فرفعه ، ثم لم تسق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم ، ورجعت المرأتان إلى أبيهما ، فحدثتاه ، وتولى موسى الظل ، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير [28: 24] .

فجاءته إحداهما تمشي على استحياء [28: 25] واضعة ثوبها على ثغرها ، فقالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا [28: 25] فقال لها: امشي خلفي ودليني الطريق ، فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك فيصف لي جسدك .

فلما انتهى إلى أبيها وقص عليه القصص [28: 25] قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين [28: 26] قال: يا بنية ، ما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة ، وأما أمانته ، فقال لي: امشي خلفي وصفي الطريق؛ فإني أكره أن يصيب الريح ثوبك فيصف لي جسدك .

قال السدي: لما سمع شعيب قولها قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين [28: 27] .

فزوج التي دعته ، وقضى أيما الأجلين .

فأما اسم المرأة التي تزوجها فهو صفورا ، والأخرى ليا .

وقد روي عن ابن عباس أن الذي استأجره صاحب مدين ، واسمه يثربي .

[ ص: 337 ]

وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: وهو ابن أخي شعيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية