الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 603 ] ثم دخلت سنة ثمانين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها هاجت الفتنة بالشام بين النزارية واليمانية ، فانزعج الرشيد لذلك ، فندب جعفرا البرمكي إلى الشام في جماعة من الأمراء والجنود ، فدخل الشام ، فانقاد الناس له ، ولم يدع جعفر بالشام فرسا ولا سيفا ولا رمحا إلا استلبه من الناس . وأطفأ الله به نار تلك الفتنة . وقد قال بعض الشعراء في ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد أوقدت بالشام نيران فتنة فهذا أوان الشام تخمد نارها     إذا جاش موج البحر من آل برمك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عليها خبت شهبانها وشرارها     رماها أمير المؤمنين بجعفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيه تلاقى صدعها وانجبارها     رماها بميمون النقيبة ماجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تراضى به قحطانها ونزارها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم كر جعفر راجعا إلى بغداد بعدما استخلف على الشام عيسى ابن العكي ، ولما قدم على الرشيد أكرمه وقربه وأدناه ، وشرع جعفر يذكر كثرة وحشته له في الشام ، ويحمد الله الذي من عليه برجوعه إلى أمير المؤمنين ورؤيته وجهه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولى الرشيد جعفرا خراسان وسجستان ، فاستعمل على ذلك محمد [ ص: 604 ] بن الحسن بن قحطبة ، ثم عزل الرشيد جعفرا عن خراسان بعد عشرين ليلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها هدم الرشيد سور الموصل ; بسبب كثرة الخوارج هناك ، وجعل الرشيد جعفرا على الحرس ، ونزل الرشيد الرقة واستوطنها ، واستناب على بغداد ابنه الأمين محمدا ، وولاه العراقين ، وعزل هرثمة بن أعين عن إفريقية واستدعاه إلى بغداد فاستنابه جعفر على الحرس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت بمصر زلزلة شديدة سقط منها رأس منارة الإسكندرية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها خرج بالجزيرة خراشة الشيباني ، فقتله مسلم بن بكار بن مسلم العقيلي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ظهرت طائفة بجرجان يقال لهم : المحمرة . لبسوا الحمرة ، واتبعوا رجلا يقال له : عمرو بن محمد العمركي . وكان ينسب إلى الزندقة ، فبعث الرشيد يأمر بقتله ، فقتل بمرو ، وأطفأ الله نارهم في ذلك الوقت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية