الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كيف يا رب والغضب؟ فنزل قوله سبحانه وتعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ النزغ والنسغ والنخس بمعنى. وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا أو ما يشبه ذلك في الجلد، وعن ابن زيد أنه يقال: نزغت ما بين القوم إذا أفسدت ما بينهم، وقال الزجاج: هو أدنى حركة تكون، ومن الشيطان وسوسته، والمعنى الأول هو المشهور.

                                                                                                                                                                                                                                      وإطلاقه على وسوسة الشيطان مجاز حيث شبه وسوسته إغراء للناس على المعاصي وإزعاجا بغرز السائق ما يسوقه، وإسناد الفعل إلى المصدر مجازي كما في جد جده، وقيل: النزغ بمعنى النازغ فالتجوز في الطرف، والأول أبلغ وأولى، أي: إما يحملنك من جهة الشيطان وسوسة ما على خلاف ما أمرت به من اعتراء غضب أو نحوه فاستعذ بالله فاستجر به والتجئ إليه سبحانه وتعالى في دفعه عنك. إنه سميع يسمع على أكمل وجه استعاذتك قولا. عليم يعلم كذلك تضرعك [ ص: 148 ] إليه قلبا في ضمن القول أو بدونه فيعصمك من شره، أو سميع أي: مجيب دعاءك بالاستعاذة، عليم بما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه، أو سميع بأقوال من آذاك، عليم بأفعاله فيجازيه عليها. والآية على ما نص عليه بعض المحققين من باب: لئن أشركت ليحبطن عملك فلا حجة فيها لمن زعم عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وسوسة الشيطان وارتكاب المعاصي.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: وإياي إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم؛ فلا يأمرني إلا بخير».

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخرون: إن نزغ الشيطان بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم مجاز عن اعتراء الغضب المقلق للنفس، وفي الآية حينئذ زيادة تنفير عن الغضب، وفرط تحذير عن العمل بموجبه، ولذا كرر صلى الله تعالى عليه وسلم النهي عنه كما جاء في الحديث، وفي الأمر بالاستعاذة بالله تعالى تهويل لذلك وتنبيه على أنه من الغوائل التي لا يتخلص من مضرتها إلا بالالتجاء إلى حرم عصمته عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية