الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 73 ] 125 - باب: فضل: " اللهم ربنا ولك الحمد "

                                763 796 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ".

                                التالي السابق


                                قد تقدم في الباب الماضي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في حال رفعه من الركوع: " سمع الله لمن حمده "، ثم يقول بعد انتصابه منه: " ربنا ولك الحمد "، فدل على أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ، وروي عن علي وأبي هريرة .

                                وأما مالك وأبو حنيفة ، فعندهما: يقتصر الإمام على التسميع والمأموم على التحميد؛ لظاهر حديث أبي هريرة هذا.

                                وحمل بعض أصحابهما حديث أبي هريرة السابق في الجمع بينهما على النافلة، وهو بعيد جدا.

                                وقد خرج مسلم في " صحيحه ": أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بينهما إذا رفع رأسه من الركوع من حديث علي وابن أبي أوفى . ومن حديث حذيفة - أيضا - لكن في صلاة النافلة.

                                [ ص: 74 ] وفي هذا الحديث: الأمر للمأمومين أن يقولوا: " اللهم ربنا ولك الحمد " إذا قال: " سمع الله لمن حمده "، فيجتمع الإمام والمأمومون في قول: " ربنا ولك الحمد ".

                                واستدل بهذا من قال: إن المأموم لا يقول: " سمع الله لمن حمده " كالإمام، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد .

                                وروي عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي .

                                وقالت طائفة: يجمع المأموم بين الأمرين - أيضا - فيسمع ويحمد.

                                وهو قول عطاء وأبي بردة وابن سيرين والشافعي وإسحاق ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي ".

                                وفيه حديثان صريحان في المأموم أنه يجمع بينهما، ولكنهما ضعيفان: قاله البيهقي وغيره.

                                وروي - أيضا - عن أبي موسى ، وضعفه البيهقي أيضا.

                                ومعنى قوله: " سمع الله لمن حمده ": استجاب الله لحامده كما استعاذ من دعاء لا يسمع، أي: لا يستجاب؛ فكذلك يشرع عقب ذلك الاجتماع على حمد الإمام من الإمام ومن خلفه.

                                وظاهر هذا الحديث: يدل على أن الملائكة تحمد مع المصلين ، فلهذا علل أمرهم بالتحميد بقوله: " من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ".

                                [ ص: 75 ] وفي حديث أبي موسى الأشعري ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده ".

                                خرجه مسلم .

                                وفي حديث أبي هريرة المخرج في هذا الباب: " اللهم، ربنا لك الحمد " بغير واو.

                                وفي حديث أبي هريرة المخرج في الباب قبله: " اللهم، ربنا ولك الحمد " بالواو.

                                وفي رواية أخرى عن أبي هريرة - سبق تخريجها -: " ربنا لك الحمد " بغير واو.

                                وفي روايات أخر: " ربنا ولك الحمد " بالواو.

                                وكله جائز، وأفضله عند مالك وأحمد : " ربنا ولك الحمد " بالواو.

                                وقال أحمد : روى الزهري فيه ثلاثة أحاديث عن أنس بن مالك ، وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، وعن سالم عن أبيه.

                                يعني: كلها بالواو.

                                وقال في حديث علي الطويل: " ولك الحمد ".

                                وحديث علي ، خرجه مسلم .

                                وقد ذكر الأصمعي أنه سأل أبا عمرو عن الواو في قوله: " ربنا ولك [ ص: 76 ] الحمد ". فقال: هي زائدة.

                                وذكر غيره أنها عاطفة على محذوف، تقديره: ربنا أطعناك وحمدناك ولك الحمد.

                                قال أصحابنا: فإن قال: " ربنا ولك الحمد " فالأفضل إثبات الواو، وإن زاد في أولها: " اللهم " فالأفضل إسقاطها، ونص عليه أحمد في رواية حرب ؛ لأن أكثر أحاديثها كذلك، ويجوز إثباتها؛ لأنه ورد في حديث أبي هريرة ، كما خرجه البخاري في الباب الماضي.

                                وذهب الثوري والكوفيون إلى أن الأفضل: " ربنا لك الحمد " بغير واو.

                                والله سبحانه وتعالى أعلم.



                                الخدمات العلمية