الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل الإيمان

مثل الإيمان مثل الضيف الكريم بعثه الملك إليك ضيفا وأمرك بالإحسان إليه فإن تركك على ذلك وقعت في الجهد والمعالجة والاستدانة والحور تنفق عليه وتحسن فإن أعطاك الملك بدرة من الدنانير وقال أنفق على هذا الضيف ولا تقتر وأحسن إليه ولا تقصر فقد استرحت فإن كنت تركت الضيف ضائعا وتنفق الدنانير على أهلك وولدك فقد خنت وخسرت فالمؤمن أعطي المعرفة وقيل له تبحر في علم هذه المعرفة وانظر إلى ما ظهر لك من عظمته وقدرته وجلاله وملكه وانظر [ ص: 194 ] إلى تدبيره وحكمته وصنائعه وانظر إلى مجده وإحسانه فذهب بهذا النظر بما أعطى من النور إلى أشغال النفس وأمور الدنيا فخاب وخسر

وإن ذهب بهذا النظر إلى ما ذكرنا بما أظهر ربنا تبارك وتعالى من أموره ازداد يقينا وخشية وخوفا وحياء وازداد حسن الظن بالله تعالى واستغنى به عن جميع خلقه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن يوما لا أزداد فيه علما بقربي إلى الله تعالى لا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم

وروي لنا أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني غرائب العلم قال (ما صنعت في رأس العلم فقال له (هل عرفت ربك قال نعم فقال (ما صنعت في حقه قال ما شاء الله قال (هل عرفت الموت قال نعم قال (فما أعددت له قال ما شاء الله قال (فاذهب فتعلم رأس العلم ثم تعال حتى أعلمك غرائب العلم

فإنما دله رسول الله صلى الله عليه وسلم على العلم بالله ليقوم بحقه

ألا ترى أنه سأله عن حقه ليعلم أن من ضيع حقه وجهل [ ص: 195 ] حقه ثم ادعى علما به فهو كاذب في مقالته فإنما ذاك علم سمعه بأذنه وأودعه حفظه وليس في قلبه منه إلا الإيمان به

فهذه البدرة التي أعطاك الملك لتنفق منها وأعطاك ربك جل جلاله هذا الذهن والعقل فمن استعمل عقله في التفكر في أمر الله فقد وضع النفقة موضعها وقد أنفق على الضيف لأن المعرفة موضعها القلب وحولها بحور العلم بالله فذلك كله ثبات المعرفة واستقامتها لئلا تصير المعرفة نكرة بينما أنك تعرف ربك بالجود والكرم والوفاء ثم تصير معرفتك نكرة فتتملق إلى عبيده في النوائب وتتعلق بهم وتتخذهم من دونه وكيلا ووليا فتعرف ربك بالكفاية وتستظهر بمن دونه حتى تقع في آبار المهالك وتصير مداهنا ومتصنعا ومرائيا تتزين لخلقه وتترضاهم بالقبائح والمشاين فيما بينك وبين ربك ونعوذ بالله من ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية