الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1420 ] (31) لما ذكر تعالى أن ميعاد المستعجلين بالعذاب، لا بد من وقوعه عند حلول أجله، ذكر هنا حالهم في ذلك اليوم، وأنك لو رأيت حالهم إذا وقفوا عند ربهم، واجتمع الرؤساء والأتباع في الكفر والضلال، لرأيت أمرا عظيما وهولا جسيما، ورأيت كيف يتراجع، ويرجع بعضهم إلى بعض القول، فيقول الذين استضعفوا وهم الأتباع للذين استكبروا وهم القادة: لولا أنتم لكنا مؤمنين ولكنكم حلتم بيننا وبين الإيمان، وزينتم لنا الكفران، فتبعناكم على ذلك، ومقصودهم بذلك أن يكون العذاب على الرؤساء دونهم.

                                                                                                                                                                                                                                        (32) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا مستفهمين لهم ومخبرين أن الجميع مشتركون في الجرم: أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم أي: بقوتنا وقهرنا لكم. بل كنتم مجرمين أي: مختارين للإجرام، لستم مقهورين عليه، وإن كنا قد زينا لكم، فما كان لنا عليكم من سلطان.

                                                                                                                                                                                                                                        (33) فقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا أي: بل الذي دهانا منكم، ووصل إلينا من إضلالكم، ما دبرتموه من المكر، في الليل والنهار، إذ تحسنون لنا الكفر، وتدعوننا إليه، وتقولون: إنه الحق، وتقدحون في الحق وتهجنونه، وتزعمون أنه الباطل، فما زال مكركم بنا، وكيدكم إيانا، حتى أغويتمونا وفتنتمونا.

                                                                                                                                                                                                                                        فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا تبري بعضهم من بعض، والندامة العظيمة، ولهذا قال: وأسروا الندامة لما رأوا العذاب أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم لينجو من العذاب، وعلم أنه ظالم مستحق له، فندم كل منهم غاية الندم، وتمنى أن لو كان على الحق، وأنه ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب، سرا في أنفسهم لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. وفي بعض مواقف القيامة، وعند [ ص: 1421 ] دخولهم النار، يظهرون ذلك الندم جهرا.

                                                                                                                                                                                                                                        ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا الآيات

                                                                                                                                                                                                                                        وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى: إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون الآيات

                                                                                                                                                                                                                                        هل يجزون في هذا العذاب والنكال وتلك الأغلال الثقال إلا ما كانوا يعملون من الكفر والفسوق والعصيان

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية