الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير

                                                                                                                                                                                                                                        (43) يخبر تعالى عن حالة المشركين، عندما تتلى عليهم آيات الله البينات، وحججه الظاهرات، وبراهينه القاطعات، الدالة على كل خير، الناهية عن كل شر، التي هي أعظم نعمة جاءتهم، ومنة وصلت إليهم، الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق، والانقياد، والتسليم، أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي، ويكذبون من جاءهم بها ويقولون: ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم أي: هذا قصده، حين يأمركم بالإخلاص لله، لتتركوا عوائد آبائكم، الذين تعظمون وتمشون خلفهم، فردوا الحق بقول الضالين، ولم يوردوا برهانا، ولا شبهة، فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين باتباع الحق، فادعوا أن إخوانهم، الذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة ورد الحق بأقوال الضالين، إذا تأملت كل حق رد، فإذا هذا مآله لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين والدهريين، والفلاسفة، والصابئين، والملحدين في دين الله المارقين، فهم أسوة كل من رد الحق إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                        ولما احتجوا بفعل آبائهم، وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل طعنوا بعد هذا بالحق، وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى أي: كذب افتراه هذا الرجل، الذي جاء به. وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين أي: سحر ظاهر بين لكل أحد، تكذيبا بالحق، وترويجا على السفهاء.

                                                                                                                                                                                                                                        (44) ولما بين ما ردوا به الحق، وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة، فضلا أن [ ص: 1424 ] تكون حجة، ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يحتج لهم، فإنهم لا مستند لهم، ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا فقال: وما آتيناهم من كتب يدرسونها حتى تكون عمدة لهم وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله، ما يدفعون به، ما جئتهم به، فليس عندهم علم، ولا أثارة من علم.

                                                                                                                                                                                                                                        (45) ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين قبلهم، فقال: وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون معشار ما آتيناهم فكذبوا أي: الأمم الذين من قبلهم رسلي فكيف كان نكير أي: إنكاري عليهم، وعقوبتي إياهم. قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال، وأن منهم من أغرقه، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم، وبالصيحة، وبالرجفة، وبالخسف بالأرض، وبإرسال الحاصب من السماء، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون، أن تدوموا على التكذيب، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم، ويصيبكم ما أصابهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية