الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل الذي ينطق بأسماء الله تعالى ويدعوه بها ويتلو كتاب الله تعالى وليس له نور تلك الأشياء في صدره كمثل شرر الحديدة المحماة إذا ضربت بالمطرقتين فرمت بالشرر ثم ينطفئ من [ ص: 243 ] ساعته وليس له لهبان ولا حرارة ولا ضوء يضيء بها

كذا الناطق بهذه الأسماء والتالي لكتاب الله تعالى إذا أخرج الكلمات من صدر تلطخ بالشهوات لا يكون لكلماته من النور ما ينفذ شعاعه فيسطع ضوءه

.فالناطق الذي له نور في قلبه كمثل نفاط رمى بنفط وكحريق اشتعل نارا فأحرق ما حوله وسطع ضوءه فأضاء كل شيء وإن لكل حرف من كلامه نورا وما أنزل على عبده فإنما أنزل مع النور فإذا دنا من الصدر استقبلته أدناس الشهوات وظلمة الهوى والحرص والرغبة والكبر والحمية والحسد والبغي والتجير والتعزز والتملق والاقتدار والعلو والتيه والتعظيم رجع النور كأنه يقول هذا ليس بمكاني إنما أحل بصدر طهر عن هذه الظلمات والأقذار فهناك محله ومعدني يقف خارجا يلتمس صدرا بريئا من هذه الأشياء فمن احتمل علم هذه الأشياء علم الحروف ثم أخذها بالصوت بكلمات فذاك العالم

[ ص: 244 ] العلم علمان

أترى ما قاله صلى الله عليه وسلم (العلم علمان فعلم على اللسان وذاك حجة الله تعالى على خلقه وعلم على القلب فذاك العلم النافع

فمن احتمل في صدره علم هذه الأشياء بلا نور فهذا علم الذهن تلقاه تعلما وتحفظا فهو على لسانه ولطائف الحروف ومعانيها هو محجوب عنها ومستورة عنه فإذا لفظتها شفتاه وهو الحروف فهو كالشرر يخمد وينطفئ من ساعته فلا يرتفع ولا يضيء الصدور ولا يحرق الشهوات ولا رين الذنوب من خوفه والذي راض نفسه حتى تطهر من تلك الأدناس وزايلته تلك الظلمات فخلا صدره من ذلك فطاب وطرب وطهر فجاء النور فوجد مكانا قد طاب وطهر وطهارته من تقواه من هذه الأشياء في تقواه وطيبه من حياة القربة وذلك أن العبد كلما ازداد طهارة من هذه الأشياء ازداد قربة وكلما ازداد قربة ازداد حياة قلبه لأنه إنما يحيا قلبه بالحي الذي لا يموت

فصاحب هذا إذا وجد ذلك النور مثل هذا الصدر ولج فيه [ ص: 245 ] نور ذلك الكلام فإذا نطق به خرج منه الشعاع الساطع فأحرق ما في الجوف فأضاء البيت بمنزلة ذلك الحريق الذي أحرق ما حوله وأضاء الفضاء فذاك العلم النافع الذي قاله صلى الله عليه وسلم

آدم لما أهبط إلى الأرض

وروي في الحديث أن آدم صلوات الله عليه لما أهبط إلى الأرض ابتلي بالحرث .والنسج فقال يا رب شغلتني بهذا وقد كنت أسمع تسبيح الملائكة ومحامدهم فأوحى الله تعالى إليه أن قل الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده فإنك إذا قلت هذا غلبت جميع الخلق في المحامد والتسبيح

دواوين ثلاثة

وإنما غلب الخلق لأن العبد في أثقال النعم ولا ينفك منها إلا بالحمد فيحتاج لكل نعمة إلى حمد ليتخلص منها

وديوان النعم غير وديوان الحساب غير وديوان السيئات غير وديوان مظالم العباد غير فينشر على العبد يوم الحساب دواوين ثلاثة كذا جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فكان العبد محتاجا عند كل نعمة إلى حمد فتفضل الله عليه وأعطاه كلمة جامعة تتشعب تلك الكلمة وتتجزأ عدد كل نعمة [ ص: 246 ] لله عليه حتى تذهب إلى كل نعمة فتلزمها حتى إذا وقف غدا بين يدي الله تعالى وينشر عليه ديوان النعمة وجد عند كل نعمة نورا قد لزمها وهو وذلك نور الشكر نطق بحمده ها هنا جملة فتوزع وانقسم بأجزائها على جميع النعم فكأنه يقول جل ذكره على وجه المباهاة ملائكتي هذا عبد خلقته من تراب فبلغ من معرفته إياي أن شكرني على كل نعمة فيرى الملائكة نعمه مع كل نعمة نور قد لزمها وهو نور شكر العبد من تلك النعمة التي قد نطق بها فيقول الله تعالى فهذا للنعمة التي وجهت إلى عبدي وهذا النور الذي وجهه عبدي إلي لما توجهت إليه فعلموا بذلك للعبد على رءوس الخلائق يومئذ بتلك المباهاة لأنه قال الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده أوفى حمده نعمه فلقي كل نعمة جزء من ذلك الحمد وبقي للمزيد أجزاؤه حتى يكافئه بها يوم المزيد والزيادة فإذا لقيه العبد لقي من نوره وكذا لقيه الحمد ولقيه بأجزاء المكافأة وهو حبه لأن العبد لا يقدر أن يكافئ ربه 81 عن رؤيته والنظر إليه بشيء إلا بحبه إياه فإنما حمده العبد بهذا الحمد الذي له من نور الحب ما يتجزأ فيلحق كل جزء منه كل نعمة من الله تعالى عليه فتلزمها ويلحق .أجزاء المزيد فيقوم [ ص: 247 ] حتى إذا برز للخلق يوم الزيادة ولقيه العبد بحبه مكافئا لما صنع الرب من رفع الحجاب وإظهار جلاله على عبده فهذه كلمة قد ملأت الدنيا والآخرة فلذلك قال لآدم عليه السلام إذا قلت هذا فقد غلبت جميع ما خلقت فإنما عظم ذلك لأن الكلام حين جاءه جاء مع النور وولج صدره مع نور الكلام فلما نطق به خرج من النور والشعاع ما وسع النعم أجزاؤه وبقي المكافأة يوم المزيد ما يكون كفاءه والذي لم يتطهر من هذه الأدناس فإنما في صدره من علم الحروف المؤلفة فتلك الكلمة والصوت الذي يبرزها به فإنه قوة لتلك الحروف حتى تتجزأ فيلحق كل نعمة ويلزمها وإنما ثبات العبد على النطق فإنه قد أعمل العبد جوارحه في الطاعات وأثقال النعم والشكر باقية عليه

التالي السابق


الخدمات العلمية