الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 2762 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 2763 ] كتاب الصرف

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ت) نسخة تازة رقم (234 & 243)

                                                                                                                                                                                        3 - (ق 4) نسخة القرويين رقم (368) [ ص: 2764 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 2765 ] وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد

                                                                                                                                                                                        وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الصرف

                                                                                                                                                                                        الربا محرم بالقرآن، والسنة، والإجماع، فأما القرآن: فقوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة [آل عمران: 130] ، وقوله تعالى: اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا [البقرة: 278]. وقوله سبحانه: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا [البقرة: 275] ، وقوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله [الروم: 39].

                                                                                                                                                                                        وأخبر سبحانه أنه كان محرما على من كان قبلنا كتحريمه علينا، فقال تعالى: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه [النساء: 161].

                                                                                                                                                                                        وأما السنة: فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" أخرجه مسلم في صحيحه.

                                                                                                                                                                                        والأحاديث في ذلك كثيرة، ولا خلاف بين الأمة في تحريم الربا في الجملة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في معنى قوله تعالى: وحرم الربا [البقرة: 275] على ثلاثة أقوال: فقيل: المراد به ما كانت عليه أهل الجاهلية من فسخ الدين بالدين، [ ص: 2766 ] يقول المطلوب للطالب: أخرني وأزيدك، فقالوا: سواء علينا أزدنا في أول البيع أو عند محل الأجل، فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وهو قول عطاء ومجاهد وغيرهما، وجعلوا الألف واللام تعريفا للعهد.

                                                                                                                                                                                        ويؤيد هذا القول قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله" أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف أن اسم الربا يقع على فسخ الدين بالدين، وقيل: المراد به كل بيع حرم التفاضل فيه; لأن الربا في اللسان الزيادة، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد". أخرجه مسلم في صحيحه من طريق عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.

                                                                                                                                                                                        فسمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزيادة التي تقع في هذه الأصناف ربا، فبينت السنة المراد من القرآن، وحمل قائل هذه المقالة الألف واللام في الربا لتعريف الجنس ليس للعهد. ويدخل في ذلك السلف بزيادة، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقيل: المراد به كل بيع محرم كان تحريمه من جهة الزيادة أو غيرها، وهو قول عائشة - رضي الله عنها -، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. [ ص: 2767 ]

                                                                                                                                                                                        قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لما نزلت آية الربا قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا، وحرم التجارة في الخمر". أخرجه البخاري.

                                                                                                                                                                                        وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الكتاب: إن من الربا أن تباع الثمار وهي مغضفة لم تطب.

                                                                                                                                                                                        ويشهد لقوله روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" وهذا حديث صحيح اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم، فأوقع - صلى الله عليه وسلم - اسم الربا على ما يجوز فيه التفاضل، لعدم المناجزة، فأبان هذا الحديث أن الربا لا يختص بالزيادة، وأن المراد به ما حرم من البياعات.

                                                                                                                                                                                        واختلف في معنى قوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله [الروم: 39]. فقال بعض أهل العلم: نزلت في الهدايا يهديها الرجل للرجل ليأخذ أكثر من ذلك، ولم يزد على هذا، فيقول هذا حلال أو حرام، وقال بعضهم: ذلك جائز ولا أجر له، ولا وزر عليه. [ ص: 2768 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: قد أوقع الله -عز وجل- على هذا الفعل اسم الربا، وأخبر في غير موضع من كتابه بتحريمه، والهدايا التي يقصد بها العوض والثواب مخرجها مخرج المعاوضات.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف قول مالك في هبة الثواب، هل مخرجها مخرج البيع، أو مخرج المعروف؟ والمشهور من قوله: إن مخرجها مخرج البيع.

                                                                                                                                                                                        فإذا عوض عن الهبة بعد الافتراق من جنسها أكثر لم يجز ذلك، كانت الهبة طعاما مما يحرم التفاضل فيه أو لا يحرم، عرضا أو عينا، فيدخل فيما يحرم فيه التفاضل من الطعام والعين الربا من وجهين: التفاضل والنساء، وفيما يجوز فيه التفاضل من الطعام النساء، وفي العروض سلف جر منفعة، وذلك ربا.

                                                                                                                                                                                        ويؤيد ذلك وجميع هذه الوجوه ما ورد في الآية من إطلاق اسم الربا.

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله الآخر ذلك من ناحية المعروف، يجوز جميع ما قدمنا ذكره، وقد أجاز في كتاب محمد أن يثيب عن الذهب فضة، وعن الفضة ذهبا، وذهب في ذلك إلى ما أجيز من الدينار بأوزن منه، وقرض مائة دينار بمثلها، والحوالة وإن كانت فسخ دين في دين، والعرية، فجميع هذا أجيز على وجه المعروف، ولا يجوز على وجه المكايسة. [ ص: 2769 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية