الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 257 ] الاعتبار والمتابعات والشواهد


171 . الاعتبار سبرك الحديث هل شارك راو غيره فيما حمل      172 . عن شيخه فإن يكن شورك من
معتبر به فتابع ، وإن      173 . شورك شيخه ففوق فكذا
وقد يسمى شاهدا ثم إذا      174 . متن بمعناه أتى فالشاهد
وما خلا عن كل ذا مفارد      175 . مثاله "لو أخذوا إهابها"
فلفظة "الدباغ" ما أتى بها      176 . عن عمرو إلا ابن عيينة وقد
توبع عمرو في الدباغ فاعتضد      177 . ثم وجدنا "أيما إهاب"
فكان فيه شاهد في الباب

[ ص: 258 ]

التالي السابق


[ ص: 258 ] هذه الألفاظ يتداولها أهل الحديث بينهم .

فالاعتبار : أن تأتي إلى حديث لبعض الرواة ، فتعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث ليعرف هل شاركه في ذلك الحديث راو غيره فرواه عن شيخه أم لا ؟

فإن يكن شاركه أحد ممن يعتبر بحديثه ، أي : يصلح أن يخرج حديثه للاعتبار به والاستشهاد به ، فيسمى حديث هذا الذي شاركه تابعا - وسيأتي بيان من يعتبر بحديثه في مراتب الجرح والتعديل - وإن لم تجد أحدا تابعه عليه عن شيخه فانظر هل تابع أحد شيخ شيخه فرواه متابعا له أم لا ؟ إن وجدت أحدا تابع شيخ شيخه عليه ، فرواه كما رواه فسمه أيضا تابعا . وقد يسمونه شاهدا ، وإن لم تجد فافعل ذلك فيمن فوقه إلى آخر الإسناد حتى في الصحابي ، فكل من وجد له متابع فسمه تابعا . وقد يسمونه شاهدا ، كما تقدم ، فإن لم تجد لأحد ممن فوقه متابعا عليه فانظر هل أتى بمعناه حديث آخر في الباب أم لا ؟ فإن أتى بمعناه حديث آخر فسم ذلك الحديث شاهدا ، وإن لم تجد حديثا آخر يؤدي معناه ، فقد عدمت المتابعات والشواهد . فالحديث إذا فرد . قال ابن حبان : وطريق الاعتبار في الأخبار ، مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فينظر : هل [ ص: 259 ] روى ذلك ثقة غير أيوب ، عن ابن سيرين ؟ فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه ، وإن لم يوجد ذلك ، فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة ، وإلا فصحابي غير أبي هريرة ، رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه ، وإلا فلا . انتهى .

قلت : فمثال ما عدمت فيه المتابعات من هذا الوجه من وجه يثبت ما رواه الترمذي من رواية حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، أراه رفعه : " احبب حبيبك هونا ما ، . . . الحديث " . قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه . قلت : أي من وجه يثبت ، وقد رواه الحسن بن دينار ، وهو متروك الحديث ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال ابن عدي في الكامل : "ولا أعلم أحدا قال عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة إلا الحسن بن دينار . ومن حديث أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، رواه حماد بن سلمة ، ويرويه الحسن بن أبي جعفر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، عن علي مرفوعا . انتهى .

والحسن بن أبي جعفر منكر الحديث ، قاله البخاري [ ص: 260 ] .

وقوله : ( مثاله لو أخذوا إهابها ) ، هذا مثال لما وجد له تابع وشاهد أيضا . وهو ما روى مسلم والنسائي من رواية سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مر بشاة مطروحة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به " ، فلم يذكر فيه أحد من أصحاب عمرو بن دينار : فدبغوه ، إلا ابن عيينة . وقد رواه إبراهيم بن نافع المكي عن عمرو ، فلم يذكر الدباغ . وقول ابن الصلاح : ورواه ابن جريج عن عمرو ، عن عطاء ، ولم يذكر فيه الدباغ ، يوهم موافقة رواية ابن جريج لرواية ابن عيينة في السند وليس كذلك ، فإن ابن جريج زاد في السند ميمونة فجعله من مسندها . وفي رواية ابن عيينة أنه من مسند ابن عباس ، فلهذا مثلت : بإبراهيم بن نافع ، والله أعلم . فنظرنا هل نجد أحدا تابع شيخه عمرو بن دينار على ذكر الدباغ فيه ، عن عطاء أم لا ؟ فوجدنا أسامة بن زيد الليثي تابع عمرا عليه . ورواه الدارقطني والبيهقي من طريق ابن وهب ، عن أسامة ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل شاة ماتت : " ألا نزعتم إهابها فدبغتموه ، فانتفعتم به " .

[ ص: 261 ] قال البيهقي وهكذا رواه الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء . وكذلك رواه يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء .

فكانت هذه متابعات لرواية ابن عيينة . ثم نظرنا فوجدنا لها شاهدا ، وهو ما رواه مسلم وأصحاب السنن من رواية عبد الرحمن بن وعلة المصري ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " .




الخدمات العلمية