الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 262 ] 157 - باب

                                مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

                                811 848 - وقال لنا آدم: ثنا شعبة، عن أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة.

                                وفعله القاسم.

                                ويذكر عن أبي هريرة - رفعه -: " لا يتطوع الإمام في مكانه ". ولم يصح.

                                التالي السابق


                                هذا الذي ذكر أنه لا يصح، خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من رواية ليث ، عن حجاج بن عبيد ، عن إبراهيم بن إسماعيل ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو شماله في الصلاة " - يعني: في السبحة.

                                وليس في هذا ذكر الإمام، كما أورده البخاري .

                                وضعف إسناده من جهة ليث بن أبي سليم ، وفيه ضعف مشهور. ومن جهة إبراهيم بن إسماعيل ، ويقال فيه: إسماعيل بن إبراهيم ، وهو حجازي، روى عنه عمرو بن دينار وغيره. قال أبو حاتم الرازي : مجهول.

                                وكذا قال في حجاج بن عبيد ، وقد اختلف في اسم أبيه.

                                واختلف في إسناد الحديث على ليث - أيضا.

                                وخرج أبو داود وابن ماجه - أيضا - من حديث عطاء الخراساني ، عن المغيرة بن شعبة ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يصلي الإمام في مقامه الذي [ ص: 263 ] صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه ".

                                وقال أبو داود : وعطاء الخراساني لم يدرك المغيرة .

                                وقد اختلف العلماء في تطوع الإمام في مكان صلاته بعد الصلاة ، فأما قبلها فيجوز بالاتفاق -: قاله بعض أصحابنا.

                                فكرهت طائفة تطوعه في مكانه بعد صلاته، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق .

                                وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه كرهه.

                                وقال النخعي : كانوا يكرهونه.

                                ورخص فيه ابن عقيل من أصحابنا، كما رجحه البخاري ، ونقله عن ابن عمر والقاسم بن محمد .

                                فأما المروي عن ابن عمر ، فإنه لم يفعله وهو إمام، بل كان مأموما، كذلك قال الإمام أحمد .

                                وأكثر العلماء لا يكرهون للمأموم ذلك، وهو قول مالك وأحمد .

                                وقد خرج أبو داود حديثا يقتضي كراهته من حديث أبي رمثة ، قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة، فصلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ثم سلم عن يمينه وعن يساره، حتى رأيت بياض خديه، ثم انفتل، فقام الرجل الذي أدرك التكبيرة الأولى من الصلاة ليشفع، فوثب إليه عمر ، فأخذ بمنكبيه فهزه، ثم قال: اجلس؛ فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- بصره، فقال: " أصاب الله بك يا ابن الخطاب ".

                                وهذا الحديث يدل على كراهة أن يصل المكتوبة بالتطوع بعدها من غير [ ص: 264 ] فصل ، وإن فصل بالتسليم.

                                ويدل عليه - أيضا -: ما روى السائب بن يزيد ، قال: صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة ، فلما سلم قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج.

                                خرجه مسلم - بمعناه.

                                وروى حرب بإسناده، عن عطاء ، أنه قال فيمن صلى المكتوبة: لا يصلي مكانه نافلة إلا أن يقطع بحديث، أو يتقدم أو يتأخر.

                                وعن الأوزاعي ، قال: إنما يجب ذلك على الإمام، أن يتحول من مصلاه. قيل له: فما يجزئ من ذلك؟ قال: أدناه أن يزيل قدميه من مكانه. قيل له: فإن ضاق مكانه؟ قال: فليتربع بعد سلامه؛ فإنه يجزئه.

                                وروى - أيضا - بإسناده، عن ابن مسعود ، أنه كان إذا سلم قام وتحول من مكانه غير بعيد.

                                قال حرب : وثنا محمد بن آدم ، ثنا أبو المليح الرقي ، عن حبيب ، قال: كان ابن عمر يكره أن يصلي النافلة في المكان الذي يصلي فيه المكتوبة، حتى يتقدم أو يتأخر أو يتكلم.

                                وهذه الرواية تخالف رواية نافع التي خرجها البخاري .

                                وقد ذكر قتادة ، عن ابن عمر ، أنه رأى رجلا صلى في مقامه الذي صلى فيه الجمعة، فنهاه عنه، وقال: لا أراك تصلي في مقامك.

                                [ ص: 265 ] قال سعيد : فذكرته لابن المسيب ، فقال: إنما يكره ذلك للإمام يوم الجمعة.

                                وعن عكرمة ، قال: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بركعتين حتى تفصل بينهما بتحول أو كلام.

                                خرجهما عبد الرزاق .

                                ومذهب مالك : أنه يكره في الجمعة أن يتنفل في مكانه من المسجد، ولا ينتقل منه وإن كان مأموما، وأما الإمام فيكره أن يصلي بعد الجمعة في المسجد بكل حال.

                                وقد قال الشافعي في " سنن حرملة ": حديث السائب بن يزيد، عن معاوية في هذا ثابت عندنا، وبه نأخذ. قال: وهذا مثل قوله لمن صلى وقد أقيمت الصلاة: " أصلاتان معا؟ " كأنه أحب أن يفصلها منها حتى تكون المكتوبات منفردات مع السلام بفصل بعد السلام.

                                وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اضطجع بعد ركعتي الفجر.

                                وروى الشافعي ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أنه كان يأمر إذا صلى المكتوبة، فأراد أن يتنفل بعدها أن لا يتنفل حتى يتكلم أو يتقدم .

                                [ ص: 266 ] قال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح.

                                قال: وقال الشعبي : إذا صليت المكتوبة، ثم أردت أن تتطوع، فاخط خطوة.

                                وخالف ابن عمر ابن عباس في هذا، وقال: وأي فصل أفصل من السلام؟

                                وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا والشافعية: أن هذا كله خلاف الأولى من غير كراهة فيه، وحديث معاوية يدل على الكراهة.



                                الخدمات العلمية