الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              326 - نوف البكالي

              ومنهم المرغب في المحاسن والمعالي نوف بن أبي فضالة البكالي ، كان للكتب قاريا ، وإلى المحامد داعيا وعن المحاذر ناهيا ، وقيل : إن التصوف الدعاء إلى الارتفاع والإيماء إلى الارتداع .

              حدثنا محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ، ثنا الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، حدثني نوف البكالي ، قال : كان عمرو البكالي إذا افتتح موعظة قال : ألا تحمدون ربكم الذي حضر غيبتكم وأخذ سهمكم وجعل وفادة القوم لكم ، وذلك أن موسى - عليه السلام - وفد ببني إسرائيل فقال الله لهم : " إني قد جعلت لكم الأرض مسجدا حيثما صليتم منها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاث مواطن فإنه من صلى فيهن لم أقبل صلاته : المقبرة والحمام والمرحاض " قالوا : لا إلا في كنيسة ، قال : وجعلت لكم التراب طهورا إذا لم تجدوا الماء ، قالوا : لا ! إلا بالماء " قال : وجعلت لكم حيثما صلى الرجل وكان وحده تقبلت صلاته ، قالوا : لا ، إلا في جماعة .

              حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن عمران ، ثنا عمرو بن علي ، ثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نوف البكالي ، قال : انطلق موسى - عليه السلام - بوفادة بني إسرائيل فناجاه ربه فقال : إني أبسط لكم الأرض طهورا ومسجدا تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا في حمام أو مرحاض أو عند قبر ، وأجعل السكينة في قلوبكم وإني أنزل عليكم التوراة تقرءونها على ظهر ألسنتكم رجالكم ونساؤكم وصبيانكم ، قالوا : لا نصلي إلا في كنيسة ولا نجعل السكينة في قلوبنا ، نجعل لها تابوتا تحمل فيه ولا نقرأ كتابنا إلا نظرا ، قال الله تعالى : [ ص: 49 ] ( فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) إلى قوله : ( لعلكم تهتدون ) قال موسى - عليه السلام - : يا رب اجعلني نبيهم ، قال : إن نبيهم منهم ، قال : يا رب أخرني حتى تجعلني منهم ، قال : إنك لن تدركهم ، قال موسى : يا رب جئت بوفادة بني إسرائيل فكانت الوفادة لغيرهم ، قال الله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) فكان نوف البكالي يقول : احمدوا ربكم الذي شهد غيبتكم وأخذ بسهمكم ، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم ، رواه جرير عن ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب مثله .

              حدثنا محمد بن جعفر بن حفص أبو بكر المغازلي ، ثنا محمد بن العباس الأخرم ، ثنا محمد بن عبدة ، ثنا مصعب بن المقدام ، ثنا سفيان الثوري ، عن نسير بن ذعلوق ، قال : سمعت نوفا يقول في قوله تعالى : ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : الذراع سبعون باعا ، الباع ما بينك وبين مكة ، قال هذا وهو بالكوفة .

              حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد ، ثنا أحمد بن سعيد ، ثنا عبد الله بن وهب ، أنبأنا الليث بن سعد ، أنبأنا خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن القرظي ، عن نوف البكالي - وكان يقرأ الكتب - قال : إني لأجد أناسا من هذه الأمة في كتاب الله المنزل قوما يحتالون للدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس مسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئب ، يقول الرب تعالى : فعلي تجترئون وبي تغترون ، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران ، قال القرظي : تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني محمد بن عبيد بن حساب ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن نوف البكالي ، قال : أوحى الله إلى الجبال : إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال : أرضى بما قسم الله لي ، قال : فكان الأمر عليه .

              [ ص: 50 ] حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن عامر الأحول ، عن عبد الملك بن عامر ، عن نوف ، قال : قال إبراهيم - عليه السلام - : يا رب إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري ، قال : فأنزل الله تعالى ثلاثة آلاف ملك فأمهم ثلاثة أيام .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثنا أبي ، ثنا أبو عمران ، عن نوف : أن موسى - عليه السلام - لما نودي ، قال : ومن أنت الذي تناديني ؟ قال :أنا ربك الأعلى .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أبو الزبير ح ، وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسين ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا منجاب ، ثنا عبد الرحيم بن سليمان ، قالا : ثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن نوف الشامي ، قال : مكث موسى - عليه السلام - في آل فرعون بعدما غلب السحرة أربعين عاما - وقال منجاب : عشرين سنة - يريهم الآيات الجراد والقمل والضفادع .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني علي بن مسلم ، ثنا سيار ، ثنا جعفر ، ثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف البكالي ، قال : مثل هذه الأمة مثل المرأة الحامل يرجى لها الفرج على رأس ولدها ، وهذه الأمة إذا لج بها البلاء لم يكن لها فرج دون الساعة .

              حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبد الله بن الحكم ، ثنا سيار ، ثنا جعفر ، قال : سمعت أبا عمران الجوني ، وأبا هارون العبدي يقولان : سمعنا نوفا ، يقول : إن الدنيا مثلت على طير ، فإذا انقطع جناحاه وقع ، وإن جناحي الأرض مصر والبصرة وإذا خربتا ذهبت الدنيا .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا محمد بن عبيد بن حساب ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف ، قال : قال عزير فيما يناجي ربه عز وجل : تخلق خلقا فتضل وتهدي من تشاء ؟ قال : فقيل : يا عزير أعرض عن هذا ، لتعرضن عن هذا أو لأمحونك من النبوة ، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون .

              [ ص: 51 ] حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن نوف ، قال : كانت مريم - عليها السلام - فتاة بتولا وكان زكريا - عليه السلام - زوج أختها كفلها فكانت معه ، قال : فكان يدخل عليها يسلم عليها قال : فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، قال : فدخل عليها زكريا - عليه السلام - مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب ، قال : ( يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ) الآية ، قال : فبينا هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب ، فلما رأته قالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل - عليه السلام - وقال : ( إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ) إلى قوله تعالى : ( وكان أمرا مقضيا ) فنفخ جبريل - عليه السلام - في جيبها فحملت حتى إذا أثقلت وجعت كما توجع النساء ، فلما وجعت كانت في بيت النبوة فاستحيت فهربت حياء من قومها نحو المشرق ، وخرج قومها في طلبها يسألون عنها فلا يخبرهم عنها أحد ، فأخذها المخاض فتساندت إلى النخلة وقالت : ( ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) قال : حيضة بعد حيضة ( فناداها من تحتها ) قال جبريل - عليه السلام - من أقصى الوادي : ( ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : جدولا ( وهزي إليك بجذع النخلة ) إلى قوله ( فلن أكلم اليوم إنسيا ) فلما قال لها جبرائيل اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرره ولفته في خرقة وحملته ، قال : فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها قالوا : يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا ؟ قال : لا ، ولكن رأيت البارحة في بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا ، قالوا : وما رأيت منها ؟ قال : رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي ، فانطلقوا حيث وصف لهم ، فلما رأتهم مريم - عليها السلام - وقد جلست ترضع عيسى - عليه السلام - فجاءوا حتى قاموا عليها وقالوا لها : ( يامريم لقد جئت شيئا فريا ) قال : أمرا عظيما : ( ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) قال أبو عمران : قال نوف : فأشارت إليه أن [ ص: 52 ] كلموه فعجبوا منها ( قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) قال نوف : المهد حجرها ، فلما قالوا ذلك ترك عيسى - عليه السلام - ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) إلى قوله : ( أبعث حيا ) قال : فاختلف الناس فيه .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا معاوية بن صالح ، عن سليم بن عامر ، قال : أرسلتني أم الدرداء إلى نوف البكالي وإلى رجل آخر كان يقص في المسجد ، فقالت : قل لهما : اتقيا الله ولتكن موعظتكما الناس موعظتكما لأنفسكما .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا عبد الله ، حدثني أبو الربيع الزهراني ، ثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد ، عن عامر الأحول ، قال : سئل نوف عن قوله تعالى : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : واد بين أهل الضلالة وأهل الإيمان .

              حدثنا الحسين بن محمد ، ثنا محمد بن عبد الله بن غيلان ، ثنا الحسين بن الجنيد ، ثنا مصعب بن المقدام ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف ، في قوله تعالى : ( وشروه بثمن بخس ) قال : البخس : الظلم ، والثمن عشرون درهما .

              أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم - في كتابه - ، ثنا محمد بن أيوب ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي عمران الجوني ، عن نوف : أن نبيا ، أو صديقا ذبح عجلا بين يدي أمه فتخبل ، فبينا هو ذات يوم تحت شجرة وفيها وكر طائر وفيه فرخ فوقع الفرخ وفغر فاه وجعل يصي ، فرحمه فأعاده في وكره فأعاد الله إليه قوته .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا حجاج بن المنهال ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن مطرف بن عبد الله : أن نوفا وعبد الله بن عمرو اجتمعا ، فقال نوف : أجد في التوراة أن السماوات والأرض ومن فيهن لو كان طبقا واحدا من حديد فقال رجل : لا إله إلا الله لخرقتهن حتى تنتهي إلى الله عز وجل .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا عبد العزيز بن الخطاب ، [ ص: 53 ] ثنا سهل بن شعيب النهمي ، عن أبي علي الصيقل ، عن عبد الأعلى ، عن نوف ، قال : رأيت علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - خرج فنظر إلى النجوم فقال : يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ قلت : بل رامق يا أمير المؤمنين ، فقال : يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة ، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا وترابها فراشا وماءها طيبا والقرآن والدعاء دثارا وشعارا ، قرضوا الدنيا على منهاج المسيح عليه السلام ، يا نوف إن الله تعالى أوحى إلى موسى - عليه السلام - أن مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة وأبصار خاشعة وأيد نقية فإني لا أستجيب لأحد منهم ولأحد من خلقي عنده مظلمة ، يا نوف لا تكونن شاعرا ولا عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا عشارا ، فإن داود - عليه السلام - قام في ساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا أو صاحب عرطبة - وهي الطنبور - أو صاحب كوبة ، وهي الطبل . حدثنا أبي ، ثنا محمد بن يحيى بن عيسى البصري ، ثنا أبو موسى ، ثنا أبو داود ، ثنا سهل بن شعيب النهمي ، قال : سمعت عبد الأعلى - وأثنى عليه معروفا - يحدث عن نوف ، قال : رأيت علي بن أبي طالب ، فذكر مثله .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ، ثنا أحمد بن مهدي ، ثنا قبيصة ، ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن نوف ، قال : كانت النمل في زمان سليمان - عليه السلام - أمثال الذباب .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية