الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

درء تعارض العقل والنقل

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة

جزء

وقال أبو إسحاق الإسفراييني في آخر مصنفاته: (من اعتقد ما يجب [ ص: 441 ] اعتقاده هل يكتفى به؟ اختلف الأصحاب فيه: فمنهم من اكتفى به، ومنهم من شرط إقرار هذه العقائد بالأدلة) .

قلت: والذين أوجبوا النظر من الطوائف العامة نوعان: أحدهما: من يقول: إن أكثر العامة تاركوه، وهؤلاء على قولين فغلاتهم يقولون: إن إيمانهم لا يصح. وأكثرهم يقولون يصح إيمانهم تقليدا، مع كونهم عصاة بترك النظر. وهذا قول جمهورهم.

وقد ذكر هذا طوائف من الحنفية وغيرهم، كما ذكر من ذكر من الحنفية في "شرح الفقه الأكبر" فقالوا: قال أبو حنيفة وسفيان ومالك والأوزاعي وعامة الفقهاء وأهل الحديث بصحة إيمان المقلد، ولكنه عاص بترك الاستدلال.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ فِي آخِرِ مُصَنَّفَاتِهِ: (مَنِ اعْتَقَدَ مَا يَجِبُ [ ص: 441 ] اعْتِقَادُهُ هَلْ يُكْتَفَى بِهِ؟ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ: فَمِنْهُمْ مَنِ اكْتَفَى بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ إِقْرَارَ هَذِهِ الْعَقَائِدِ بِالْأَدِلَّةِ) .

قُلْتُ: وَالَّذِينَ أَوْجَبُوا النَّظَرَ مِنَ الطَّوَائِفِ الْعَامَّةِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ تَارِكُوهُ، وَهَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَغُلَاتُهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ إِيمَانَهُمْ لَا يَصِحُّ. وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ يَصِحُّ إِيمَانُهُمْ تَقْلِيدًا، مَعَ كَوْنِهِمْ عُصَاةً بِتَرْكِ النَّظَرِ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِهِمْ.

وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا طَوَائِفُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا ذَكَرَ مَنْ ذَكَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي "شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ" فَقَالُوا: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ بِصِحَّةِ إِيمَانِ الْمُقَلِّدِ، وَلَكِنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِ الِاسْتِدْلَالِ.